الاثنين، 26 أكتوبر 2009

قبيلة الفيلاني

قبيلة الفيلاني قبيلة الفيالين ، مفردها " الفيلاني " أحدى قبائل ولاية ضنك ،" من أعرق وأقدم القبائل العربية في ولاية ضنك ، تنتسب إلى جد لهم يقال له " فيلان " ولا أعلم من هو فيلان هذا .
ذكرها الشيخ المؤرخ عبدالله المطوع في كتابه "عقود الجمان" ـ أثناء حديثه عن بداية سيطرة قبيلة النعيم على علاية ضنك ـ حيث قال : " الفيالين قبيلة من قبائل عمان مسكنهم ضنك العليا ".
كانت تستوطن علاية ضنك ، تلك المنطقة التي ما زال لهم فيها مآثر ومحامد لا تنسى مهما تقادم العهد ، وتعاقبت الأجيال ، وانطمست المعالم.
استقرت هذه القبيلة في هذه المنطقة – علاية ضنك - منذ أمد بعيد ، حيث ذكرهم الشاعر الكيذاوي ـ الذي كان معاصرا لملوك بني نبهان ـ مع عدد آخر من قبائل عمان عامة وولاية ضنك خاصة ، في قصيدته التي مدح بها الملك فلاح بن محسن بن سليمان بن سليمان النبهاني (976هـ/1569م- 983هـ/1576م ) عندما توجه بجيشه الجرار المكون من بعض قبائل عمان لمحاربة وادي بني خالد حيث يقول في قصيدة طويلة ما يلي( ) :
وأقبلت من نواحي الأرض مسرعة == تأتي إليك السرايا يا ابن نبهان
حتى نهضت بجيش والملوك به == موفون من آل قحطان وعدنان
وسرت بالجيش من بهلا إلى سمد == إلى سياق إلى صور فجعلان
جيش من مالك الرستاق مالكه == مشهور الثنا من بني نصر بن زهران
وناصر وعدي والفتى سند == بنو شماس سليل القرم سرحان
والمرعفون القنا في كل معركة == بنو ربيعة والندب بن شيحان
وآل عمرو مع الحدان قاطبة == في آل دهمش في جند ابن جيلان
وآل وحشي جميعاً في غطارفة == من آل شكر أو من آل فيلان
وآل صلت وهم أهل العناد هم == فيه وفيه بنو ذهل بن شيبان
وفيه آل عمير يقدمون على == صواهل ضمر تهوى بفرسان
وفيه آل عزيز مع بني عمر == مع آل حمير مع عبس وذبيان
وغافر وشكيل والصوارخ هم == في الروع أثبت من أركان ثهلان
وآل عبرة في أبناء عدي وبنو == بطاش أهل النهى والأمر والشان
وآل محرز أرباب العلا وبنو == هناة هم خير أنصار وأعوان
وفيه آل شهيم جملة وبنو == حبس هم في التلاقي أسد خفان
وكم وكم فيه أقوام قد اجتمعوا == به هناك من نحو ونعمان
قامت هذه القبيلة بالعديد من الإنجازات في علاية ضنك خاصة وفي الولاية بشكل عام ، وما زال الكثير منها ماثلاً للعيان ، تدل على ما لتلك القبيلة من مآثر ومحامد .وقد تباينت هذه الإنجازات والأعمال بين إنجازات ثقافية وإنجازات عمرانية وزراعية ومن أهم هذه الإنجازات ما يلي :1- بناء حصن بيت المنيخ :يقع هذا الحصن في منطقة علاية ضنك ، وما زال ماثلا للعيان يعانق قمم الجبال ، و يدل على مآثر تلك القبيلة ، وإنجازاتها العمرانية الضخمة .يتكون من عدد من الأبراج ، وتوجد فيه بعض الآبار وملحق به مسجد ، كان إلى عهد قريب يستخدم مقرا لوالي ضنك.وقد أطلق عليه هذا الاسم ـ أي " بيت المنيخ "ـ كما أخبرني بعض كبار السن : " لأنه بني في المنطقة التي أناخوا فيها ركابهم وخيولهم وذلك بين مجاري وسواقي أفلاج ولاية ضنك بحيث صاروا يتحكمون في هذه الأفلاج ".كما يطلق عليه كذلك اسم " قصر المنيخ "لأنهم اتخذوه قصرا لهم ، ومقراً لحكمهم ، ومكاناً لبسط نفوذهم ، حيث يقول أحدهم :بيت المنيخ باني == بعزة وجود وهبادوبالجرد والموانئ == مصلحات جدادمثله ما صور باني == ولا صنع وستاد2- بناء مسجد الصاغة : يقع هذا المسجد في علاية ضنك ، بالقرب من حصن " بيت المنيخ " ، أطلق عليه هذا الاسم نسبة إلى أحد الضواحي الموجودة بالقرب منه والتي تسمى " ضاحية الصاغة " وكانت هذه الضاحية للفيالين قبل أن تنتقل لغيرهم وما زال هذا المسجد موجوداً إلى الآن في علاية ضنك .وقد أخبرني بعض كبار السن أن هذا المسجد كانت جدرانه وسواريه ممتلئة بالكتابات ككتابة الآيات القرآنية والأشعار وتاريخ الوقائع المشهورة ووفيات بعض مشائخ وعلماء هذه المنطقة ، وبسبب إعادة بناء المسجد وترميمه ضاع هذا التراث واندثر وتلاشى من الوجود .وقد كان الكثير من العلماء والفقهاء يؤمون هذا المسجد ، الذي أصبح في عصر اليعاربة مدرسة تخرج منها ودرس فيها عددا كبيرا من العلماء .كما تم نسخ عددا كبيرا من الكتب في هذا المسجد حيث عثرت على بعض المخطوطات الفقهية التي نسخت في هذا المسجد على يد بعض العلماء الذين كانوا يستوطنون علاية ضنك .ومن هؤلاء العلماء الشيخ الفقيه خلف بن محمد بن خنجر الغفيلي الضنكي الذي نسخ عددا من الكتب في هذا المسجد منها كتاب "العدل والإنصاف" الذي يقول في خاتمته ما يلي " تم الجزء الثالث من كتاب العدل والإنصاف في معرفة أصول الفقه والاختلاف وافق الفراغ من نسخه في عشية نهار الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة إحدى عشرة سنة بعد مائة سنة وألف سنة هجرية نبوية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام وكان تمامه " بمسجد الصاغة " من قرية ضنك حرسها الله من كل جبار عتيد ومن كل ظالم غشوم على يد الفقير الحقير خلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة نسخه لشيخه ومحبه مسعود بن أحمد بن مسعود المزاحمي نفعه الله به ونفع به المسلمين .. " .كما نسخ في هذا المسجد كذلك بعض أجزاء كتاب " بيان الشرع " حيث يقول في خاتمة إحدى النسخ ما يلي :" تم الجزء السادس والأربعون في العتق والولاء من كتاب بيان الشرع ويتلوه إن شاء الله الجزء السابع والأربعون في النكاح وكان فراغه عشية الخميس وثلاث ليال بقين من شهر ذي الحجة الذي هو من شهور سنة ثلاثة عشرة سنة ومائة سنة وألف سنة من هجرة محمد صلى الله عليه وآله وسلم على يد الفقير الحقير المعترف على نفسه بالخطأ والتقصير خلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة وكان تمامه " بمسجد الصاغة" من علاية قرية ضنك حرسها الله وكتبته كما وجدته والحمدلله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وآله وسلم نسخته لعائشة بنت راشد بن خصيب البهلوية " . 3- شق فلج ( السلد) بعلاية ضنك :كذلك عملت هذه القبيلة على شق فلج السلد – بالتعاون مع أفراد قبيلة النغاشي ـ وذلك لري منطقة علاية ضنك ويعتبر هذا الفلج من أكبر الأفلاج في هذه الولاية .4- تعمير منطقة ( حرضي ) ببلدة دوت :من إنجازاتهم الزراعية تعمير وإصلاح منطقة "حرضي " ببلدة دوت بولاية ضنك وكانت هذه المنطقة تروى عن طريق مياه الفلج وقد اشتهرت هذه المنطقة بإنتاج المحاصيل الزراعية المتنوعة .وقد أخبرني بعض كبار السن عن المنتجات الكثيرة التي كانت تنتجها هذه المنطقة وخصوصا من شجر المانجو وغيره من الفواكه حيث يذكرون أنه أثناء عملية الري وخلال ليلة واحدة عثر أحد الأشخاص في الفلج على أكثر من أربعين ثمرة مانجو .ويذكر ـ والله أعلم ـ أن هذه المنطقة دمرت بسبب رياح وأمطار عاتية أتت عليها جعلتها قاعا صفصفا حيث لم يبقى لها أثر .5- المساهمة في توحيد عمان زمن الإمام ناصر بن مرشد :لقد كانت هذه القبيلة من القبائل التي كان لها دور بارز في توحيد عمان في عصر الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ( 1034هـ/1624م - 1059هـ/1649م) حيث شاركت بقيادة شيخها سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود الفيلاني ، وابنه الشيخ زاهر بن سيف بن راشد الفيلاني وقاضيهم الشيخ العلامة خميس بن رويشد بن خميس المجرفي في توحيد عمان تحت زعامة الإمام ناصر بن مرشد اليعربي وعملوا على نشر الأمن والاستقرار في منطقة الظاهرة بشكل عام وولاية ضنك بشكل خاص ، حيث يقول في ذلك الشيخ المؤرخ نور الدين السالمي : "وجعل –أي الإمام ناصر بن مرشد - يجمع الجيوش والعساكر فاجتمع له خلق كثير فسار بهم إلى الظاهرة وافتتح وادي فدى وأمر ببناء حصنها ونصره أهل العلاية من ضنك وكان مقدمهم الشيخ العالم خميس بن رويشد ورجال الفياليين واستقام أمره بها رغم القالين" .ويقول الشيخ المؤرخ ابن قيصر الصحاري ما يلي: " ثم لم يزل الإمام يجمع الجيوش والجحافل ويدعو بأولي الأندية وأرباب المحافل وينتخب الرجال من أعالي البلد والأسافل حتى اجتمع لديه الجمع الكثير والجم الغفير فسار بالجموع قاصداً للظاهرة وافتتح بها وادي فدى بقدرة الله القاهرة وأمر على الفور ببناء حصنها وذلك لامتناعها وحفظها وصونها ونصروه من قرية ضنك أهل العلاية ووازروه على حسب الطاقة والكفاية فكان مقدامهم الشيخ خميس بن رويشد ورجال الفيالين واستقام أمره على رغم القالين " .ويذكر الشيخ المؤرخ ابن رزيق في كتابه السيرة الجامعة، فتح الإمام ناصر بن مرشد لولاية ضنك ومناصرة أفراد هذه القبيلة له حيث يقول: " ثم جمع جيشا جرارا وضم إليه رؤساء أخيارا ومضى به إلى الظاهرة بعزيمة قاهرة وحين وصلها نصرته رجال الفيالين على القالين ففتح وادي فدى على رغم العدى وأقام أركان حصنها القديم فأجره على الله الكريم ". ويقول الشيخ المؤرخ سالم بن حمود السيابي : " وبعد مدة اجتمع له جيش ضخم من عمان فتوجه لبلاد الظاهرة فافتتح هذا الجيش وادي فدى وهو مفتاح تلك الثغور فبنى حصن فدى ورأى من أهل علاية ضنك عونا ناشطاً ومساعدة فعالة ذلك لأن القائد لهم ذلك البطل الشيخ العالم خميس بن رويشد .." 6- المساهمة في نبوغ عدد من العلماء :ساهمت هذه القبيلة في نبوغ عدد كبير من العلماء واحتضنت ثلة من الأدباء والشعراء.. حيث أصبحت علاية ضنك في عهدهم.. كعبة للعلماء.. وملاذاً للأدباء والشعراء ومن هؤلاء العلماء والفقهاء والشعراء والأدباء الذين نبغوا في عهد قبيلة الفيالين ما يلي:*الشيخ الفقيه خميس بن رويشد بن خميس المجرفي * الشيخ الفقيه فارس بن خميس بن ماجد الفيلاني *الشيخ الفقيه نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني * الشيخ الفقيه سيف بن نعمان بن زاهر الفيلاني *الشيخ الفقيه سعيد بن مسعود بن صالح الربخي *الشيخ الفقيه خلفان بن خالد بن خلفان الساعدي *الشيخ الفقيه خلف بن محمد بن خنجر الغفيلي *الشيخ الفقيه سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي *الشيخ الفقيه سليمان بن علي بن مسعود المزاحمي *الشيخ صالح بن سعيد بن أحمد الشقصي *الشيخ عاقل بن حمد بن عاقل النغاشي الشيخ ربيعة بن زيد بن علي المربوعي *الشيخ سيف بن خلف بن محمد الغفيلي *الشيخ عثمان بن علي بن أحمد الشكري *الشيخ علي بن سرحان بن خميس اليحيائي *الشيخ جاعد بن سنان المربوعي *الشيخ سالم بن حماد بن سعيد الضنكي
برز من هذه القبيلة عددا كبيرا من العلماء والأعلام ، كان لهم دور بارز وفاعل في الحياة الدينية والثقافية والسياسية ، ليس على مستوى ضنك فقط ، بل على مستوى عمان قاطبة .حيث شارك رجال هذه القبيلة في عملية توحيد عمان زمن الإمام ناصر بن مرشد اليعربي (1624م – 1649م ) رحمه الله .كما ساهموا في رقي العملية التعليمية والثقافية في ولاية ضنك مما ساهم في ظهور عدد كبير من العلماء والشعراء والأدباء في عصرهم وفي ازدهار عملية نسخ الكتب حيث توجد العديد من المخطوطات في مكتبة وزارة التراث والثقافة وفي مكتبة السيد محمد بن أحمد البوسعيدي وفي مكتبة الشيخ الفقيه العلامة سالم بن حمد الحارثي التي نسخت في ولاية ضنك وخصوصا في منطقتي العلاية والوسطى ، ومنهم :1- الشيخ سيف بن راشد بن حجي الفيلاني الضنكيهو الشيخ سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي ، أدرك دولة اليعاربة ، وساهم في توحيد عمان في عصر الإمام ناصر بن مرشد اليعربي ( 1624 ـ 1649م ) ، وذلك بمعية القاضي الشيخ العلامة خميس بن رويشد بن خميس المجرفي ، وقد أثنى عليهم المؤرخ نور الدين السالمي رضوان الله عليه في كتابه " تحفة الأعيان " ، أثناء حديثه عن الإمام ناصر بن مرشد رحمه الله تعالى ، أنجب الشيخ سيف عدد من الأبناء منهم الشيخ زاهر بن سيف بن راشد الفيلاني .2-الشيخ زاهر بن سيف بن راشد الفيلاني الضنكيهو الشيخ زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي ، تزعم قيادة قبيلته بعد وفاة والده الشيخ سيف بن راشد الفيلاني ، عاصر عددا من أئمة اليعاربة منهم الإمام سلطان بن سيف والإمام بلعرب بن سلطان والإمام سيف بن سلطان ، وقد أنجب هذا الشيخ عدد من الأبناء لم أتعرف على أحد منهم إلا الشيخ العلامة الفقيه نعمان بن زاهر الفيلاني .3- الشيخ الفقيه فارس بن خميس بن ماجد الفيلاني هو الشيخ الفقيه فارس بن خميس بن ماجد بن خميس بن محمد الفيلاني ، كان حيا إلى سنة 1132هـ ، رأيت مخطوطا منسوخا له من قبل بعض النساخ .3- الشيخ الفقيه نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني الضنكيهو الشيخ الفقيه الرضي نعمان بن زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي.ولد هذا الشيخ ونشأ وترعرع بين خمائل وأفانين علاية ضنك ،وذلك في بداية القرن الثاني عشر الهجري أو قبله بقليل ، في عصر الإمام سلطان بن سيف اليعربي (1059هـ -1090هـ) أو في عصر ولده الإمام بلعرب بن سلطان اليعربي (1090هـ - 1104هـ ) وقد شب هذا الشيخ وترعرع في علاية ضنك متنقلاً بين حصنها حصن " بيت المنيخ " ومسجدها " مسجد الصاغة" ذلك المسجد الذي كان مركز إشعاع ثقافي وديني في ولاية ضنك .وكان هذا المسجد وكذلك مسجد الغاف بسفالة الشكور يضمان الكثير من الكتابات التاريخية في محرابيهما وسواريهما ولكن ما أقبح الجهل فقد هدم هذان المسجدان وأعيد بنائهما بالأدوات الحديثة فضاعت تلك المآثر واندثر تاريخ كان يجب علينا أن نعض عليه بالنواجذ وأن نحافظ عليه للأجيال القادمة .الظاهر - والله أعلم - أن زوجته هي عيدة بنت جاعد بن عبدالله الفيلانية التي توفيت نهار الخميس 24 من شهر جمادي الآخر سنة سبع وسبعين ومائة وألف للهجرة .لم أجد ذكراً لأبناء هذا الشيخ إلا اثنين منهم وهم :الشيخ عبدالله بن نعمان بن زاهر الفيلاني وهو جد الشيخ علي بن ناصر بن علي بن عبدالله الفيلاني الذي كان آخر شيوخ هذه القبيلة حيث أنجب عدداَ من الأبناء منهم راشد بن علي وهداية وراية وزوينة وموزة بنات علي بن ناصر وبوفاة هؤلاء النساء انقرضت هذه القبيلة وتلاشت من الوجود.والشيخ سيف بن نعمان بن زاهر الفيلاني ، كان حيا إلى سنة 1158هـ.تزعم هذا الشيخ قيادة قبيلته.. فسار بهم سيرة حسنة.. واشتهر بين العام والخاص.. حتى صارت أخباره تتناقل من مكان إلى مكان.. ويتغنى الركبان بسجاياه وخصاله التي اشتهر بها حيث كان عالماً فقيهاً وشيخاً قبلياً فاضلا.. حيث يذكر صاحب كتاب إتحاف الأعيان أن للشيخ نعمان بن زاهر أجوبة على سؤالات بعض العلماء منهم الشيخ سعيد بن مسعود بن صالح الربخي الضنكي .هذا وقد ذاع صيته وبرز وذلك بسبب تشجيعه للعلماء والأدباء والشعراء حيث ظهر في عصره عدد من الأدباء واستوطن في هذه الولاية عدد من العلماء ومن هؤلاء الشيخ خلف بن محمد بن خنجر الغفيلي والشيخ سيف بن خلف الغفيلي والشيخ سعيد بن خلف الغفيلي والشيخ عثمان بن علي الشكري والشيخ سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي والشيخ سليمان بن علي بن مسعود المزاحمي والشيخ سعيد بن مسعود بن صالح الربخي والشيخ علي بن سرحان بن خميس اليحيائي والشيخ ربيعة بن زيد بن علي المربوعي والشيخ خلفان بن خالد بن خلفان الساعدي والشيخ صالح بن سعيد بن أحمد الشقصي الضنكي .كما ازدهرت عملية نسخ الكتب في عهده فكثير ما أجد نسخ من كتب بيان الشرع والمصنف والضياء والمعتبر والعدل والإنصاف ومنهج الطالبين وغيرها قد نسخت في زمنه وأغلب هذه الكتب تم نسخها في مسجد الصاغة بعلاية ضنك أو في حصن الإمام بالمنطقة الوسطى منها .توفي الشيخ نعمان بن زاهر الفيلاني بعد حياة حافلة بالعطاء والبذل وذلك ساعة صلاة المغرب ليلة الجمعة صباح خامس من شهر جمادي الأول سنة واحد وستين ومائة وألف من الهجرة في عصر الإمام بلعرب بن حمير اليعربي ، وقد وجدت تاريخ وفاته مكتوبا على سواري بعض المساجد ، وجاء فيه : " توفي شيخنا الرضي المحب الصفي الوالد الشفيق نعمان بن زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي ساعة صلاة المغرب ليلة الجمعة صباح خامس من شهر جمادي الأول سنة واحد وستين ومائة وألف من الهجرة كتبه ولده خاطر بن سالم بن خاطر بن سالم بن خاطر بن راشد بن علي بن محمد بن عبدالله بن ناصر اليعقوبي ساكن عبري بيده".4- الشيخة عيدة بنت جاعد بن عبدالله الفيلانية هي الشيخة عيدة بنت جاعد بن عبدالله الفيلانية عاشت في عصر دولة اليعاربة حيث عاصرت عدد من أئمة اليعاربة وأظن أنها زوج الشيخ الفقيه نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني .توفيت نهار الخميس 24 من شهر جمادي الأخر سنة سبع وسبعين ومائة وألف هجرية ( 1177هـ ) ، حيث وجدت تاريخ وفاتها على النحو التالي : " توفت الوالدة المرحومة عيدة بنت جاعد بن عبدالله الفيلانية نهار الخميس 24 من شهر جمادي الأخر سنة سبع وسبعين ومائة وألف كتبه خاطر بن سالم بن خاطر بن سالم بن خاطر بن راشد بن علي بن محمد بن عبدالله بن ناصر اليعقوبي ساكن عبري بيده " .5- الشيخة شيخة بنت سيف الفيلانية الضنكية هي شيخة بنت سيف الفيلانية نشأت في علاية ضنك يروى عنها – والله أعلم بصحة الرواية - أنها تزوجت من السيد قيس بن الإمام -ولا أدري هل المقصود قيس بن الإمام أحمد بن سعيد أم حفيده قيس بن عزان بن قيس بن أحمد بن سعيد البوسعيدي - حيث حملها معه واسكنها في الكوت .6-الشيخ عبدالله بن نعمان بن زاهر بن سيف الفيلانيهو الشيخ عبدالله بن نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني ، ابن الشيخ الفقيه نعمان بن زاهر ، أنجب عددا من الأبناء منهم الشيخ علي بن عبدالله بن نعمان بن زاهر الفيلاني الضنكي . 7- الشيخ الفقيه سيف بن نعمان بن زاهر الفيلاني هو الشيخ سيف بن نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني ، كان حيا إلى سنة 1158هـ ، رأيت له تعليقا على إحدى المخطوطات . 7-الشيخ سيف بن ناصر بن سيف الفيلانيهو الشيخ سيف بن ناصر بن سيف الفيلاني الضنكي من المشائخ المتأخرين الذين تزعموا قيادة هذه القبيلة انجب هذا الشيخ مجموعة من الأبناء.8-الشيخ ناصر بن سيف بن ناصر الفيلانيهو الشيخ ناصر بن سيف بن ناصر بن سيف الفيلاني من زعماء ومشائخ هذه القبيلة أنجب مجموعة من الأبناء منهم :*محمد بن ناصر بن سيف بن ناصر الفيلاني*سيف بن ناصر بن سيف بن ناصر الفيلاني *شيخة بنت ناصر بن سيف الفيلانية 9- الشيخ علي بن ناصر بن علي بن عبدالله الفيلانيهو الشيخ علي بن ناصر بن علي بن عبدالله بن نعمان بن زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي. نشأ هذا الشيخ وترعرع متنقلا بين ضنك وسفالة فدى حيث انتقل إلى سفالة فدى وكان ما يزال طفلا صغيرا .أنجب الشيخ علي بن ناصر الفيلاني مجموعة من الأبناء وهم :*الشيخ راشد بن علي بن ناصر الفيلاني*هداية بنت علي بن ناصر الفيلانية *راية بنت علي بن ناصر الفيلانية *زوينة بنت علي بن ناصر الفيلانية*موزة بنت علي بن ناصر الفيلانية10- الشيخ محمد بن ناصر بن علي بن عبدالله الفيلانيهو الشيخ محمد بن ناصر بن علي بن عبدالله بن نعمان بن زاهر الفيلاني وهو أخ الشيخ علي بن ناصر توفي قبل أخيه الشيخ علي بن ناصر أنجب عدد من الأبناء .11- هداية بنت علي بن ناصر الفيلانية هي الشيخة الفاضلة هداية بنت علي بن ناصر بن علي بن عبدالله بن نعمان بن زاهر بن سيف بن راشد بن حجي بن زاهر بن محمود بن فيلان الفيلاني الضنكي.أكبر أبناء الشيخ علي بن ناصر بن علي الفيلاني ترعرعت في حضن والدها الشيخ علي بن ناصر ، ووالدتها شيخة بنت سعيد بن محمد بن سرور بن سيف بن سعيد اليزيدية ، وقد شبت متنقلة بين وادي فدى وولاية ينقل حيث كان والدها يتردد على الغصون شيوخ بني علي طالبا منهم المدد والمساعدة لاسترجاع ملك آبائه وأجداده .تزوجها ناصر بن حمد بن سعيد بن محمد بن سرور بن سيف بن سعيد اليزيدي وأنجب منها عددا من الأبناء .توفيت ـ رحمها الله تعالى ـ عام 1977م بعد حياة طويلة قاربت المائة سنة وأكثر .
هذا وقد ظلت هذه القبيلة تسيطر على علاية ضنك ، حتى قبيل منتصف القرن التاسع عشر الميلادي ، حيث بلغ شيخ الفيالين ـ وهو الشيخ سيف الفيلاني ـ من الكبر عتيا وشعر بدنو الأجل ، وكان أبنائه سعيد وناصر ما زالوا صغارا ، فخاف أن تعتدي على ملكه القبائل المجاورة له ، وأن يسيطروا على حصنه بيت المنيخ ، فجعل صديقه الشيخ علي بن حمود بن خميس النعيمي وصياً على أولاده ، وجعل له قبض حصنهم بيت المنيخ إلى أن يبلغوا رشدهم .حيث يقول المؤرخ عبدالله المطوع : " ولما بلغ الفيلاني من الكبر عتيا ، وكان له ولدان اثنان قاصران عن تولي الحكم ، فصار يخشى عليهما من جيرانه، لذا أوصى عليهما علي بن حمود بأن يتولاهما بعنايته ورعايته حتى يستلما زمام الحكم متى بلغا من الرشد " .وبعد بلوغ الكبير منهم رشده سلم إليه الحصن ثم حرض عليه أخاه الصغير ليقتله ، وعندما قتله هرب إلى السنينة ، ولاذ بالشيخ علي بن حمود النعيمي طالبا منه العون والمساعدة ، لفرض حكمه وسيطرته على بلاده وجماعته .حيث يقول صاحب عقود الجمان عن ذلك : ( وعندما بلغ الأولاد سن الرشد ، أخذ علي بن حمود يثير بينهما العداوة والبغضاء ، وسلم الأمر إلى الكبير منهم ، وقال له : " احتفظ بما عندك من المال لأنه مال دولتك ولا تسلم لأخيك منه شيئاً" . وقال للثاني : " لقد سلمت أمانتكم إلى أخيك ، ويظهر لي أنه لا يريد أن يشركك في شيء مما في يده ، وعمل الكبير بما أوصاه به الوصي ، بينما راح الصغير يطالب بشيء مما في يد أخيه، فامتنع هذا عن إعطائه شيئا ، فحصلت المنافسة ، وارتفعت إلى عداوة وقرر الصغير قتل أخيه الأكبر .وقد اشترط عليه الشيخ علي بن حمود إذا قتل أخاه أن يلجأ إليه في السنينة ليقوم بنصره وتأييده ، فراح وقتل أخاه بعيداً عن بلده .وجاء إلى علي بن حمود وأخبره ، فسنحت لعلي بن حمود الفرصة، وركب معه في الحال ، وتوجه إلى بلدة ضنك ، ليحكمه في بلاده، وقبل أن يصلا إلى البلد أصدر علي أمراً إلى سلطان بن محمد الصلف أن يقتله ، فأطلق سلطان النار على الولد ، وأرداه قتيلاً ، وواصل الركب مسيره إلى ضنك ، ولم يكن فيها إلا العبيد ، ولا علم لديهم بما جرى ، وحالما وصل علي بن حمود فتحوا له باب القصر المعروف باسم " قصر المنيخ " فدخله ).وبذلك استولى النعيم على علاية ضنك من أيدي الفيالين ، وكان ذلك قبل معركة " سالمة " بعدة سنوات ، حيث أن الشيخ علي بن حمود لم يدرك معركة سالمة التي وقعت عام 1287هـ الموافق عام 1870م ، وقد أدركها أولاده وهم أحمد بن علي النعيمي ومحمد بن علي النعيمي ـ الذي تولى زعامة علاية ضنك بعد وفاة والده ـ واشتركوا فيها واستطاعوا الانتصار على جيش الإمام عزان بن قيس رحمه الله تعالى ، وقد كان الشيخ أحمد بن علي النعيمي أحد قادة هذه المعركة .هذا وقد صار الموقف الذي حل بأبناء الشيخ الفيلاني يضرب به المثل وما زال الناس يرددوه إلى اليوم حيث يقول الشاعر :
لا تسوي قصة الفيلاني == رايح للمنيه عاني
وعلى الرغم من سيطرة قبيلة النعيم على علاية ضنك وعلى حصن بيت المنيخ إلا أنه بقي بعض أفراد هذه الأسرة حتى أواخر القرن العشرين وبوفاتهم انقرضت هذه القبيلة نهائياً من ولاية ضنك ولا يوجد الآن إلا أحفادهم من جهة البنات فقط ، وسبحان الله الدائم المتفرد بالبقاء القادر على كل شيء .أما خارج ضنك فقد بقيت بعض البيوت القليلة في منطقة " معمد " بولاية منح في المنطقة الداخلية ، والظاهر أنهم انتقلوا إليها من موطنهم الأصلي علاية ضنك في نهاية عصر دولة اليعاربة ، وذلك بصحبة الشيخ الفقيه الوالي عامر بن محمد بن عامر بن خلف الشامسي المعمدي المنحي الذي كان واليا على ضنك حتى عام 1141هـ وذلك في زمن الإمام سيف بن سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي ( 1140هـ/ 1728م – 1145هـ/1732م ). ولعله يوجد بعضهم في أماكن أخرى .

مقدمة عن قبائل ضنك

الأخوة الأعزاء من الولايات التي تتميز بتعدد قبائلهاوتنوعها ، ولاية ضنك ، وهي إحدى ولايات منطقة الظاهرة ، بل هي أوسط عقدها ، تمتاز بواديها الدائم الجريان ، وبأفلاجها العديدة الغزيرة المياه ، وبمعالمها التاريخية الموغله في أعماق التاريخ .لهذه الولاية نزحت الكثير من القبائل ، قحطانية وعدنانية ، وشكلت ـ جميعها ـ تاريخ ضنك ـ الزاخر بالأمجاد ، والبطولات ، وقلاعها وحصونها وبروجها التي تعتنق قمم الجبال شاهد على ذلك .

جاء في " المعاجم اللغوية "ضنك الشيء ضنكاً بمعنى ضاق والضنك الضيق من كل شيء ومعيشة ضنك ضيقة .وفي القرآن الكريم : ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكاً ) والضنك ضيق العيش وكل ما ضاق فهو ضنك. وتنطق كلمة ضنك بفتح حرف الضاد وسكون النون حيث يقول الشيخ المؤرخ سالم بن حمود السيابي موضحا النطق الصحيح لكلمة ضنك: "أعلم أن ضنك وهي بضاد مفتوحة ونون ساكنة بعدها كاف من أفخر البلاد وأوسعها".ويذكر المؤرخ ياقوت الحموي في كتابه " معجم البلدان "أن كلمة ضنك تنطق بالفتح ثم السكون وتعني الضيق وذكر أنها اسم موضع لم يحدد مكانه .ثم ذكر بيتا من الشعر لبعض الشعراء يقول فيه :

ويوم بالمجازة والكلندى === ويوم بين ضنك وصومحان

هذا ويطلق كذلك على ضنك اسم " العوجاء " وذلك بسبب تموج واعوجاج مسار الوادي تبعا لمجرى الماء .وقد ذكر مؤلف كتاب " دليل الخليج " كذلك: " أن ضنك كثيرا ما يلفظ اسمها ضنش " .ويرى بعض الباحثين أنها تسمى كذلك " ضك " بحذف حرف النون وعلى الرغم من التقارب في المعنى بين كلمة " ضنك" وكلمة " ضك " إلا إنني لم أجد من ذكر هذه الولاية بهذا الاسم بل جميع المصادر والمراجع مجمعة ومتفقة على أن اسمها ضنك .

ومن خلال تتبع المصادر التاريخية القديمة نرى أن هذا الاسم – أي اسم ضنك - اسما قديما موغلا في أعماق التاريخ حيث نجد أن عددا من المؤرخين والشعراء والرحالة ذكروا هذا الاسم في مؤلفاتهم وأشعارهم .وأول من ذكر هذا الاسم حسب إطلاعي هو الشاعر العماني سّوار بن المضرّب السعدي التميمي وذلك في قصيدته المشهورة النونيةالتي قالها عن عمان مبينا فيها حنينه ولوعته واشتياقه لزيارة موطنه ومرتع صباه حيث يقول:
أحب عمان من حبي سليمى === وما طبي بحب قرى عمان
فلا أنسى ليالي بالكلندى === فنين وكل هذا العيش فانِ
ويوماً بالمجازة يوم صدق === ويوما بين ضنك وصومحانِ

كما ذكر هذا الاسم المؤرخ المقدسي في كتابه " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم "أثناء حديثه عن بعض المدن العمانية .وذكره كذلك العلامة المؤرخ العوتبي ـ وهو من علماء عمان في القرن الرابع الهجري ـ في كتابه " الأنساب"وذلك أثناء حديثه عن القبائل التي استوطنت عمان منذ بداية الهجرة العربية إليها . وقد سميت ضنك بهذا الاسم لوقوعها بين الجبال الشاهقة التي تحيط بها وتكتنفها من كل جانب وتحيط بها كدروع سابغة تحميها من غدر الطبيعة وجبروت الإنسان مما جعل هذا المكان ضيقاً أو ضنكاً .وليس كما يدعي البعض أنها سميت بهذا الاسم بسبب ضيق العيش فيها وشح الموارد فالواقع ينفي ذلك حيث أن وجود هذا الوادي الدائم الجريان منح ضنك خصوبة في الأرض وغزارة في المياه مما جعلها تنتج شتى المحاصيل الزراعية والدليل على الرخاء الذي كانت تعيشه ضنك توافد عدد كبير من القبائل إليها والاستيطان بها واتخاذها مقرا وسكنا لها .

بعد إنهيار سد مأرب أخذت بعض القبائل العربية تحث السير نحو عمان وكان على رأس هذه القبائل مالك بن فهم الأزدي الذي استطاع أن يسيطر على عمان ويكون فيها مملكة عربية قوية استمرت لفترة طويل من الزمن .وبعد أن استقرت قبائل الأزد في بعض مناطق عمان أخذت قبائل أخرى تتوافد إليها وخصوصا من شمال الجزيرة العربية وعملت على الإختلاط مع القبائل التي سبقتها وكونتا معا مزيجا من القبائل التي ما زالت تشكل عمان إلى الآن .وقد كانت ولاية ضنك من المناطق التي وفدت إليها القبائل العربية واستقرت فيها منذ تلك العصور وحتى الآن وتنتسب هذه القبائل إلى القبائل العدنانية والقبائل القحطانية .حيث يذكر المؤرخ العوتبي في " كتابه الأنساب " أثناء حديثه عن القبائل العمانية التي نزلت بعمان بعد هجرتها من جنوب وشمال الجزيرة العربية أن بعض هذه القبائل استوطنت واستقرت في ضنك حيث يقول ما يلي : "ونزل بعمان قوم من بني النبيت من الأنصار في الجاهلية ومنازلهم في قرية يقال لها ضنك من أعمال السر ونزلها ناس من بني الحارث بن كعب ومنازلهم بضنك وهذه البلاد فيها النخل والموز والرمان والأترنج ومزارع الحنطة والذرة ونزلها قوم من قضاعة من بني المقين بن جسر نحو مائة رجل منازلهم بضنك من السر" بل أن المؤرخ العوتبي يذكر أن بعض القبائل وفدت على مناطق معينة من ضنك واستقرت بها حيث يقول : " ومن قبائل بني الحارث الأصغر بن معاوية منهم أهل بيت الصمة يسكنون فدا ".ويقول كذلك : "وأما بنو سعيد بن سعد فكانوا أهل دوت"كما أن الشاعر الكيذاوي وهو من شعراء القرن العاشر الهجري يتطرق إلى ذكر بعض القبائل التي كانت وما زالت تعيش في ولاية ضنك وذلك أثناء حديثه عن مسيرة الملك فلاح بن محسن النبهاني بجيشه إلى وادي بني خالد بصحبة عدد كبير من القبائل من شرق عمان وغربها حيث يقول أثناء حديثه عن قبائل ضنك :
وآل وحشي جميعا في غطارفة === من آل شكر أو من آل فيلان
وفيه آل عزيز مع بني عمر === مع آل حمير مع عبس وذبيان

وقد ذكر المؤرخ مايلز في كتابه ( الخليج بلدانه وقبائله) بعض القبائل التي كانت تعيش في ضنك ومنها : قبيلة بني زيد ، بنو عزيز ، البداة ، النعيم ، بنو ساعدة ، بنو قتب .وذكر كذلك المؤرخ لويمر في كتابه( دليل الخليج ) بعض قبائل ضنك حيث يقول : " وتنقسم ضنك إلى العلاية وتضم خمسة أحياء وسفالة وبها سبعة أحياء ، ويبلغ عدد سكان ضنك 3500 نسمة ينتمون لبني نعيم وسكان السفالة هم من عيال عزيز وعيال حيا والشوامس والوحاشا والشكور" .

توجد في ولاية ضنك العديد من القبائل ، بعهضا قحطانية والأخرى عدنانية ، بعضها قديم في هذه الولاية ولها أماكنها ومعالمها التاريخية وحصونها وبروجها وأفلاجها ، وبعضها وفد منذ فترة ليست بالبعيدة ، إلا أن الجميع أندمج في الحياة بحلوها ومرها ، وشارك وساهم في إزدهار هذه الولاية ورقيها .ومن هذه القبائل :* الساعدي * العيسائي* اليحيائي* العزيزي* المربوعي* المزاحمي* الوحشي* الشكري* الربخي* النعيمي* الشامسي* البادي* اليزيدي / الزيدي* المسماري* العلياني* المطرفي* النقبي* الخنبشي* العلوي* اليعربي* الشكيلي* المنذري* الشملي* الكلباني* المقبالي* الغيثي

السبت، 19 سبتمبر 2009

من قبائل ضنك ( قبيلة المربوعي )

قبيلة المربوعي إحدى قبائل ولاية ضنك ، قليلة العدد ، لها تاريخ عريق ، سطرت مآثر ومحامد لا يبليها تعاقب الأيام وتغير الأحوال ، تتمركز في ( الوسطى ) من ولاية ضنك ، بالقرب من حصن الإمام ، ذلك الحصن الذي كان المركز الإداري لهذه الولاية ، لا أدري لمن تنتسب ، دخلت في حلف قبيلة النعيم في النصف الثاني من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين ، يعدهم البعض منهم ، وإن كان الأمر بخلاف ذلك ، فهم قبيلة مستقلة بذاتها، لها مناطقها الخاصة بها وأفلاجها وحصونها وبروجها.
برز منها العديد من الفقهاء والأدباء والشعراء الذين أسهموا في الحياة العلمية والثقافية في ولاية ضنك بصورة خاصة وفي عمان بصورة عامة .
كما تبوأ بعضهم مناصب سياسية عليا في عصر الإمامة اليعربية ( 1034هـ ـ 1162هـ ) ومن هؤلاء العلماء ما يلي :
1- الشيخ الفقيه محمد بن ربيعة بن زيد بن درع بن علي المربوعي الضنكي ، من أعلام عمان في القرن الحادي عشر الهجري ، وهو والد الشيخ الفقيه الأديب سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي .
2- الشيخ الفقيه سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي الضنكي ، من علماء عمان في النصف الثاني من القرن الحادي عشر والنصف الأول من القرن الثاني عشر الهجري ، ولد في بلدة ضنك في عصر الإمام سلطان بن سيف بن مالك اليعربي ( 1059هـ/ 1649م - 1090هـ/1679م) درس الشيخ سليمان على يد العلماء المعاصرين له وما فتئ يدرس ويتعلم ويزاحم العلماء بالركب حتى ارتقى في سلم درجات العلم فأصبح من أكابر فقهاء عمان ومن الذين يشار إليهم بالبنان .وعندما تفيء هذه المرتبة من العلم استدعاه الإمام سيف بن سلطان اليعربي إلى نزوى وظل بها حتى وفاة هذا الإمام عام 1123هـ حيث اجتمع فقهاء وعلماء عمان برئاسة الشيخ العلامة عدي بن سليمان الذهلي واتفقوا على عقد الإمامة على ولده الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي وقد كان الشيخ سليمان بن محمد من الذين عقدوا بيعة الإمامة لهذا الإمام .حيث يقول الشيخ العلامة نور الدين السالمي نقلاً عن الشيخ الصبحي ما يلي : " وكان المتولي للعقد عدي بن سليمان وخلف بن محمد وسليمان بن محمد وكلهم ثقاة فقهاء " ) ( تحفة الأعيان ج2 ، ص 117 )لقد تبوأ الشيخ سليمان بعض المناصب السياسية في الدولة اليعربية حيث عينه الإمام سلطان بن سيف بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي ( 1123هـ/1711م – 1131هـ/1719م) واليا على مدينة نزوى وذلك بعد أن انتقل الإمام سلطان إلى مدينة الحزم حيث يقول الشيخ المؤرخ السالمي أثناء حديثه عن إمامة الإمام سلطان بن سيف الثاني ما يلي : " بويع له بعد موت أبيه وذلك في شهر رمضان المبارك سنة ثلاث وعشرين ومائة وألف وكتب العلامة الصبحي لبعض إخوانه أن سيف بن سلطان صح معنا موته ثم صح معنا تقديم المسلمين ابنه سلطان إماما لكافة المسلمين تلقفت صحة ذلك من الفقيه ناصر بن سليمان بن مداد وسليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي وقد ولاه على أهل نزوى " .( تحفة الأعيان ج2/ 117)ثم عينه بعد ذلك والياً على حصن ضنك ـ وهو الحصن الذي يطلق عليه اسم " حصن الإمام " ـ حيث أمر أثناء ولايته على ضنك وذلك عام 1129هـ - الشيخ سالم بن حماد بن سعيد بن أحمد الضنكي بنسخ أحد أجزاء كتاب الأشراف للشيخ الفقيه مبارك بن غريب بن مبارك المزروعي السمائلي حيث يقول في خاتمة الكتاب :" تم كتاب الأشراف وصلى الله على نبيه محمد النبي وآله وصحبه وسلم وكان تمامه وفراغه نهار الثلاثاء ورابع من شهر ربيع الأول من شهور سنة تسع سنين وعشرين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة الإسلامية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام وكان تمامه على يد الفقير الحقير المعترف بالخطأ والذنوب والتقصير الراجي إلى رحمة ربه القدير سالم بن حماد بن سعيد بن أحمد الضنكي للشيخ الثقة العدل الرضي الوالي الولي مبارك بن غريب بن مبارك المزروعي السمائلي اللهم وفقه لحفظه ولفظه وفهم معانيه إنك سميع الدعوات إنه على كل شيء قدير وكان نسخه له بأمر الشيخ الفقيه المحب الصفي سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي وهو والي حصن ضنك بعصر سيدنا ومولانا إمام المسلمين وخليفة النبيين سلطان بن سيف بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي أعزه الله ونصره على أعدائه وأيده على القوم الكافرين وصلى الله على محمد النبي وآله وصحبه وسلم ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " . كما عُين واليا على منطقة الجو ( البريمي ) في عصر الإمام سيف بن سلطان بن سيف سلطان بن سيف بن مالك اليعربي ( 1140هـ/ 1728م – 1145هـ/1732م) .كان الشيخ سليمان فقيها وعالما وأديبا وشاعرا ، حيث أطلعت على بعض الآراء والفتاوى الفقهية له في بعض الكتب التي دونت في عصره أو بعد وفاته,ويذكر الشيخ البطاشي: (( أن له أجوبة كثيرة في الفقه نظماً ونثراً )). كما كان الشيخ ناسخاً لبعض المؤلفات الفقهية التي ما زالت مخطوطة إلى الآن .كما نُسخ له العديد من الكتب والمؤلفات من قبل العلماء المعاصرين له ومن هذه الكتب بعض أجزاء كتاب بيان الشرع والناسخ هو الشيخ عبدالغني بن محمد بن عبدالله بن محمد البصري القرشي الجوي الشافعي عام 1120هـ وذلك في عصر الإمام سيف بن سلطان بن سيف بن مالك اليعربي (1104هـ/1692م – 1123هـ/1711م) حيث يقول في خاتمة الكتاب ما يلي : " تم الجزء الرابع والأربعون في البيوع في أصناف شتى في العيوب والإقالة والثقة وهو الثالث من البيوع من كتاب بيان الشرع يتلوه الجزء الخامس والأربعون في البيوع والسلف والتجارة والمضاربة والرهن وهو الرابع من البيوع من كتاب بيان الشرع وكان تمامه ضحى الجمعة لثمان عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول سنة عشرين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة الإسلامية على مهاجرها أفضل الصلاة والتسليم وكان تمامه على يد العبد الفقير إلى الله الراجي رحمة الله عبدالغني بن محمد بن عبدالله بن محمد البصري المخزومي القرشي كتبه للشيخ الورع الثقة الزكي سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي رزقه الله حفظه والعمل بما فيه ". ويقول أيضا في خاتمة مخطوطة بيان الشرع : ( ..كان تمامه يوم الأثنين لسبع عشرة ليلة خلت من شهر جمادى الآخرة من شهور سنة عشرين سنة ومائة سنة وألف سنة من الهجرة الإسلامية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام على يدي العبد الفقير الحقير المقر بالذنب والعجز والتقصير الراجي عفو ربه القدير عبدالغني بن محمد بن عبدالله بن محمد المخزومي القرشي البصري ثم الجوي نسخه للشيخ الرضي سليمان بن محمد بن ربيعة المربوعي رزقه الله حفظه والعمل بما فيه إنه ولي ذلك والقادر عليه ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله).كما نسخ له كتاب " المعتبر " للشيخ أبي سعيد الكدمي وذلك في عصر الإمام سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي ( 1123هـ/1711م – 1131هـ/1719م ) والناسخ هو الشيخ الفقيه خلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة الغفيلي الضنكي حيث يقول :" وقع الفراغ من نسخ هذا الكتاب ضحى ثالث شهر ذي الحجة أحد شهور سنة أربع وعشرين ومائة سنة وألف سنة من الهجرة النبوية الإسلامية على مهاجرها أفضل الصلاة والسلام على يد أفقر خلق الله وأحوجهم إلى رحمة ربه القدير النادم على ما فرط في جنب الله خلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة نسخة لشيخه وسيده الوالي الموالي الشيخ سليمان بن محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي الضنكي رزقه الله حفظه والعمل بما فيه إنه سميع الدعاء آمين ".هذا وقد توفي الشيخ سليمان ـ رحمه الله تعالى ـ في منتصف القرن الثاني عشر الهجري أو قريباً منه حيث أنه لم يشارك في عزل الإمام سيف بن سلطان بن سيف بن سلطان اليعربي ومبايعة الإمام بلعرب بن حمير اليعربي عام 1146هـ مما يدل على أن الشيخ قد توفي قبل هذا التاريخ.ومما يدلل على ذلك أن الشيخ عمر بن مسعود بن ساعد المنذري نسخ أحد الكتب للشيخ سليمان في عام 1129هـ مما يدل على أن الشيخ كان على قيد الحياة حتى هذا التاريخ ويذكر الشيخ البطاشي أنه كان على قيد الحياة إلى سنة 1141هـ وبهذا أستطيع القول أن الشيخ توفي ما بين عامي 1141هـ و 1146هـ .
3- الشيخ الفقيه ربيعة بن زيد بن علي المربوعي الضنكي ، من أعلام ولاية ضنك في القرن الثاني عشر الهجري ، وهو من أقرباء الشيخ سليمان بن محمد المربوعي .
4- الشيخ جاعد بن سنان المربوعي الضنكي ، من أعلام ولاية ضنك في القرن الثاني عشر الهجري ، كان ناسخا للكتب ، جيد الخط .
5- الشيخ ربيعة بن سليمان بن محمد المربوعي ، وهو ابن الشيخ سليمان بن محمد المربوعي ، يقول كتاب النمير (الجزء 2/166) : ( يروى أن الشيخ الفقيه العالم سليمان بن محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي الضنكي خرج عند وادي ضنك مع جملة من أهل البلاد طالبين من الله تعالى نزول الغيث بعد أن أجدبت الديار وجفت الآبار فاستجاب الله دعوتهم فعم الخصب سائر البلاد وكان خطيبهم يومئذ والدي الشيخ الفقيه العالم سليمان بن محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي الضنكي ، وكتبه ربيعة بن سليمان بن محمد المربوعي )

الخميس، 17 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( الخاتمة)

الخاتمة :


أعزائي القراء..

ها أنتم قد اطلعتم على ما احتوته حدائق فكري.. وتفرجتم على بساتين جملي.. واختتمتم جولة سفركم في رحاب " حدائق ذات أفنان".. بعضكم سعيد والبعض غضبان.. فللذين أعجبتهم تلك الجولة.. أتوقع لأنهم وجدوا أني قد زرعتها من حدائق الحياة.. ومن بساتين الواقع.. فكل ثمرة مررت بها وأنا في رحلتي في الحياة.. وأعجبت بها حق الإعجاب.. أخذت منها شتلة.. حتى أزين بها حدائقي.. لتكون حدائق غناء.. ليتلذذ بها القارئ الكريم كما تلذذت أنا بطعمها.. لتبعد عنه الحزن والسآمة.. والضيق والقنوط.. وقد تستغربون عندما تجدون أن بعض هذه الشتلات متشابهة.. والحقيقة أن هذه الشتلات متشابهة في الشكل فقط.. لكنها مختلفة في المضمون أي في الطعم أو الرائحة..
ورصعت فيه الدرر حتى تركته
يضيء بلا شمس ويسري بلا قمر
فعيناه سحر والجبين مهند
ولله در الرِّمش والجيد والحور
أما الذين لم تعجبهم حدائقي.. فأستميحهم عذراً على إضاعة وقتهم.. فيما لا فائدة منه!! ولا طائل من ورائه!!..
وأقول لهم : أن معظم الكتب تحمل بين طياتها.. الغث والسمين.. والجيد والرديء.. فيأخذ القارئ ما يراه صائباً.. وقد ينفعه في الحياة.. ويترك ما يراه على خطأ.. أو يضره في سلوكه وفكره ومعتقده.. واعلم أن هذه الحدائق لا تختلف عن تلك القاعدة.. لكنها عندي تمثل فكري ومعتقدي.. وتمثل سلوكي ومنهجي.. فإن كنت على خطأ.. فمن نفسي ومن الشيطان.. وإن كنت على صواب.. فمن الله.. والله يهدي من يحب إلى الصراط المستقيم.. واعلم أن الإنسان معرض للخطأ والزلل.. وجل من لا يخطأ.. وليس العيب أن يخطأ الإنسان.. ولكن العيب أن يستمر على الخطأ.. سواء كان سبب الاستمرار.. الكبر أو الجهل.. ولا يعذر في الاثنتين.. وإني أقول : رحم الله امرأ أهداني عيوبي..
وما من كاتب إلا سيفنى
ويبقى الدهر ما كتبت يداه
فلا تكتب بكفك غير شيء
يسرُّك في القيامة أن تراه
وفي الختام لا أقول لكم وداعاً.. بل إلى لقاء قريب إن شاء الله.. مع حدائق أخرى.. سبحان ربك رب العزة عما يصفون.. وسلام على المرسلين.. والحمد لله رب العالمين..
المرء بعد الموت أحدوثه
يفنى وتبقى آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره

مع تحيات أخوكم في الله :
فارس الكلمة.....

حدائق ذات أفنان ج1 ـ رسائل وردود ـ الرد :( البلسم الشافي)

الرد:
البلسم الشافي:

أيها المحب.. إليك البلسم الشافي.. الذي حار به فكرك.. وتاه عنه عقلك.. شفاء لآلامك وأحزانك.. وترياقاً لكل مرض وبلاء.. ودواء لكل داء ووباء.. وحلاً لما عجز عنه علمك..
سرح الطرف في رياض المعالي
وزن الأمر وزن حر موالي
وافتكر في الأمور كيف تراها
وزن الأمر وزن حر موالي
فاعلم أيها السائل الحبيب.. أن كل الخلق يشكو دهره.. ويبكي عصره.. ويندب أمره.. وقد أنهى بالهم عمره.. وهذا حال الناس في كل عصر ومصر.. ولا مناص منه ولا مهرب.. ولا سبيل عنه ولا مخرج.. وإليك الحل عما سألت.. والإجابة عما استفسرت..
وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا
فعندما يعم التقوى والإيمان.. في نفوس عباد الرحمن.. وتكون الاستقامة على دروب أهل الرضوان.. والسير في طريق أهل الإحسان.. ومخالفة النفس والهوى والشيطان.. ومجانبة الكفر والفسوق والعصيان.. عندها.. سوف تفتح أبواب الرحمن.. وتزال جدران الحقد والكراهية والغل والحسد من نفوس بني الإنسان.. وسيجتمع في صحن الدار كل أحبتنا وأخوتنا.. على كتاب الله.. وسنة نبينا محمدٍ صلى الله عليه وسلم..
أما والله لو علم الأنام
لما خلقوا لما غفلوا وناموا
حياة ثم موت ثم نشر
وحشر ثم أهوال عظام
وعندما يكثر التضرع والاستغفار.. بالليل والنهار.. والعشي والأسحار.. والتوبة من الذنوب الصغار والكبار.. وإدمان قرع باب علام الغيوب العلي الجبار.. فسوف تُكسر قيود المعصية.. وتُقطع سلاسل الشيطان.. وتُذاب قضبان الهوى.. وتُلغى حواجز النفس الأمارة بالسوء.. وتُمزق الفواصل التي صنعها الفكر المتعفن.. محب الشهوة والشهرة..
إذ كان لا يرجوك إلا محسن
فمن الذي يدعو إليه المجرم
أدعوك رب كما أمرت تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
ما لي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك ثم أني مسلم
وعندما يدوم ذكر الله على كل حال.. في الحل والترحال.. وبالليل والنهار حتى نهاية الآجال.. واللهج بياذا الجلال.. مع موافقة القلب اللسان.. والعمل بجميع الأركان.. وانتهاج سنة سيد الإنس والجان.. واقتفاء آثار الصحابة وأهل التقى والإحسان.. وإتباع مُنزل القرآن.. عندها.. سوف ترى المسلم عزيزاً أبياً.. والإسلام عالياً خفاقاً.. والأقصى حراً طليقاً.. والظالم ضعيفاً حقيراً..
يا من يرى ما في الضمير ويسمع
أنت المعد لكل ما يتوقع
يا من يرجى للشدائد كلها
يا من إليه المشتكى والمفزع
ما لي سوى فقري إليك وسيلة
فبالافتقار إليك فقري أدفع
ما لي سوى قرعي لبابك حيلة
فلئن رددت فأيَّ باب أقرع
وعندما تصف القلوب من الضغائن والأحقاد.. وتطهر من الفساد كالغل والحقد والحسد.. ويمحى من النفوس الكبر والعجب والرياء.. وتنظف الألسن من الكذب والسباب واللعان.. أو الغيبة والنميمة والبهتان.. وترك الانتقام من العباد.. ولو كانوا من أهل المصائب والفساد.. والعفو عن المسيء والحلم على أهل العناد.. والإحسان إلى أهل البؤس والشقاء.. وتفقد أهل الحاجة من المساكين والفقراء.. وأهل الإجهاد والإعسار والبلاء.. وقضاء حوائجهم.. وإدخال الفرح في نفوسهم.. وخفض الجناح لكل سائل أو محتاج.. وتلطيف القلوب بالكلمة الطيبة.. والبسمة الحانية.. وعندما يعفو الإنسان عمن ظلمه.. ويصل من قطعه.. ويعطي من حرمه.. ويحلم عن من أساء إليه.. عندها.. سوف ترى الابتسامة تملأ الوجوه.. والسعادة تعم النفوس.. والمحبة تسيطر على القلوب..
أخاك أخاك فهو أجلُّ ذخر
إذا نابتك نائبة الزمان
وإن رابت إساءته فهبها
لما فيه من الشيم الحسان
تريد مهذباً لا عيب فيه
وهل عود يفوح بلا دخان
أما عند مخالفة هدي الرحمن.. وإتباع الهوى والنفس والشيطان.. وملازمة أهل الكفر والفسوق والعصيان.. ومتابعة حزب الشيطان.. وقلة الاستغفار في الليل أو النهار وعند المنام.. وعدم التوبة من الذنوب العظام.. وإدمان الانغماس في الموبقات والحرام.. وسلوك دروب أهل الشقاء والإجرام.. والتلذذ بالمعاصي والآثام.. عندها.. تتحجر القلوب التي في الصدور.. وتموت الضمائر.. ويتعطل العقل عن العمل والتفكير.. ويتعود اللسان على كثرة الهذيان.. سواء أكان غيبة ونميمة وبهتان.. أو كذب وقول الزور وسباب ولعان.. وغيرها من آفات اللسان.. التي يصبح سالكها مثل الحيوان..
هذا جزاء أناس بالهوى غلبوا
وقصروا في أمور الدين فاستلبوا
كانوا شموساً عيون الناس ترمقهم
لكنهم بعد طول الدهر قد غربوا
ويكثر الفراغ بين شباب الإسلام.. فيبتعدوا عن أهل الصلاح والأخيار.. ويصاحبوا الأنذال والأشرار.. بعد أن يصابوا بداء الخواء الروحي الذي يفتك بالأحرار.. عند ذلك.. سترى أن ذلك الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى عن باقي مخلوقاته.. سيتحول في نهاية المطاف.. إلى مسخ حيواني.. همه الوحيد.. إرواء جوعه.. وإشباع غريزته.. في لحظة عابرة.. وشهوة عارمة.. ونزوة حيوانية بحتة.. وبدون أي خجل أو وجل..
إذا ما الجهل خيم في بلاد
رأيت أسودها مسخت قروداً
وسيتحول كثير من الناس.. من عبادة الرحيم البصير.. إلى عبادة الدرهم والدينار.. وسيقدس صاحب الريال.. ويرمى إلى الكلاب كل من ليس عنده شيء من المال..
من كان يملك درهمين تعلَّمت
شفتاه أنواع الكلام فقالا
وتقدَّم الفصحاء فاستمعوا له
ورأيته بين الورى مختالا
لولا دارهمه التي في كيسه
لرأيته شرَّ البرية حالا
إن الغنيَّ إذا تكلم كاذباً
قالوا صدقت وما نطقت محالا
وإذا الفقير أصاب قالوا لم يصب
وكذبت يا هذا وقلت ضلالا
إن الدراهم في المواطن كلها
تكسو الرجال مهابة وجلالا
فهي اللسان لمن أراد فصاحة
وهي السلاح لمن أراد قتالا
أو يطحن بعبارات السب والتقريع والإذلال.. أو نظرات الازدراء والاحتقار..
يغدوا الفقير وكل شيء ضده
والأرض تغلق دونه أبوابها
وتراه ممقوتاً وليس بمذنب
ويرى العداوة ولا يرى أسبابها
حتى الكلاب إذا رأت ذا بزة
أصغت إليه وحركت أذنابها
وإذا رأت يوماً فقيراً جائزاً
نبحت عليه وكشرت أنيابها
أو يصبح منبوذاً من الأهل والأصدقاء..
الناس أتباع من دامت له النعم
والويل للمرء إن زلَّت به القدم
المال زين ومن قلَّت دارهمه
حيٌّ كمن مات إلا أنه صنم
لما رأيت أخلائي وخالصتي
والكلُّ مستتر عني ومحتشم
أبدوا جفاء وإعراضاً فقلت لهم
أذنبت ذنباً فقالوا : ذنبك العدم
وسوف يقتل الأخ أخاه.. ويعق الابن أباه.. عندما تنعدم القدوة.. وتنخار المبادئ.. وتتبخر الأحاسيس.. وتتهدم أركان الأخلاق.. وتتزلزل أعمدة القيم..
وليس بعامر بنيان قوم
إذا أخلاقهم كانت خرابا
وسوف يفجر الولد بأمه وذويه.. وتبيع البنت شرفها بأبخس الأثمان.. عندما تنعدم التربية.. وتراق الشهامة.. وتذاب الكرامة.. وتغتال المروءة.. ويذهب الحياء.. وعندما يعم الرضى بالدناءة.. والسكوت عن الحق.. وسلوك طريق الشيطان..
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإيمان
وسوف يخون الزوج زوجته.. وتخون الزوجة زوجها.. ورغم أنهما قد تعاهدا بكتاب الله.. وبسنة نبيهم.. على عدم الخيانة.. وحفظ العهود والمواثيق.. وأن يحفظ كلاهما شرف صاحبه.. عندما يستهان بالمعصية ولو قلت.. والإعراض عن مبادئ القرآن السمحة.. وكثرة الخلاف والشقاق بين الزوجين.. وإتباعهم هوى النفس والشيطان.. والانحراف عن المنهج والصراط..
عجبت لمعشر صلُُّوا وصاموا
ظواهر خشية وتقى كذاباً
وسوف تقتل الأم وليدها وفلذة كبدها.. إثر نزوة حيوانية عابرة.. بسبب.. خوائها من القيم والأخلاق.. وابتعادها عن منهج منزل القرآن.. خالق الإنسان.. وإتباعها طريق النفس والهوى.. ومصاحبتها أهل الفسوق والبلى.. بعد موت الضمير.. وبُعدها عن الهدى.. ومصاحبة أهل الصلاح والتقى.. وإتباعها سبيل أهل الردى.. وسلوكها دروب الغوايات.. والانغماس في المحرمات..
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب

كل هذه الأمور التي ذكرتها لك.. سببها الوحيد في نظري.. هو الابتعاد عن المنهج الذي خطه لنا الشارع العظيم.. وعدم الإقتداء بمسلك رسولنا الكريم.. وإتباع كل ثرثار وناعق من أهل الخناعات.. والتلذذ بعمل الفواحش والموبقات.. وندرة المصلحين الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكرات.. والانغماس في دنيا الأموات.. ونسيان هادم اللذات .. وهذا ما آل إليه حال أمتنا..
يا متعب الجسم كم تسعى لراحته
أتعبت جسمك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
فإذا رجعت إلى ما صلح به أولها.. تغلبت على الأوجاع والأسقام.. وانتصرت على المشكلات والأخطار.. وقضت على الفساد والضياع.. وعاشت في أمن وسلام.. وراحة وطمأنينة.. وعز وسؤدد..
شريعة الله للإصلاح عنوان
وكلُّ شيء سوى الإسلام خسران
لما تركنا الهدى حلت بنا محن
وهاج للظلم والإفساد طوفان
تاريخنا من رسول الله مبدؤه
وما عداه فلا عزٌّ ولا شان
محمد أنقذ الدنيا بدعوته
ومن هداه لنا روح وريحان
واعلم أيها الحبيب.. أن شجاعة القلب في الأزمات.. وثباته في الملمات.. وقوته عند الكربات.. وعدم انزعاجه للصادرات والواردات.. ومجانبة قلقه في المصيبات.. وتصفيته من الغل والأحقاد.. وتطهيره من الحسد والفساد.. فإنه في نهاية الأمر.. يفتح باب حل المعضلات.. ويهدأ القلب بعد الثوران.. وتسكن الروح بعد الطوفان.. وتخمد الأحاسيس بعد الاشتعال..
ربَّ أمر تزهق النفس له
جاءها من خلل اليأس فرج
لا تكن من روح ربي آيساً
ربما قد فرِّجت تلك الفرج
بينما المرء كئيب موجع
جاءه الله بروح فبهج
رب أمر قد تضايقت له
فأتاك الله منه بالفرج
وعند القناعة من الدنيا بالبلاغ.. وعدم الروغان مع من راغ.. ومجافاة كل طاغ وباغ.. فإن الجسم سيصمد أمام هجمات الجراثيم ومصارعة الأمراض.. وسيطرة الأسقام والأوجاع..
إذا المرء أعطى نفسه كل ما اشتهت
ولم ينهها تاقت إلى كل باطل
وساقت إليه الإثم والعار بالذي
دعته إليه من حلاوة عاجل
وتطمئن النفس إثر الغدر والخيانة.. عند التوبة والإنابة.. ويتحد التركيز والتفكير بعد التيه والضياع.. ويجتمع الأخوة على مائدة القرآن.. وفي رضا الرحمـن.. ويلتقـي الصحـب والخلان.. بعد التشتت والهجران.. عندما نرضى بالله رباً.. وبالإسلام ديناً ومنهجاً.. وبالقرآن الكريم كتاباً ودستوراً.. وبمحمد صلى الله عليه وسلم مرشداً وهادياً ورسولاً..
من كان يرغب في النجاة فما له
غير إتباع المصطفى فيما أتى
ذاك سبيل المستقيم وغيره
سبل الغواية والضلالة والردى
واعلم أيها المحب.. أن اليسر مع العسر.. ومع الصبر الظفر.. وإن الغنى بعد الفقر.. والعافية بعد الضرر.. والأمل سيأتي بعد اليأس.. والقوة بعد الضعف.. والعزة بعد الذل.. والنور بعد الظلمة.. والنخوة بعد البرود.. والسكينة بعد الغضب.. والحب بعد الكراهية.. والمحبة بعد العداوة.. والسلم بعد الحرب.. واللقيا بعد الفراق والهجران.. والفرج بعد الشدة.. والنجاح من بعد الكفاح.. والصدق بعد الكذب.. والتواضع بعد التكبر.. والحقيقة بعد الرياء.. والتوبة بعد المعصية.. والندم بعد الخطأ والزلة.. والعدل والرحمة بعد الظلم والقسوة.. والفوز والنصر بعد الخسارة والهزيمة.. والإيمان بعد النفاق.. والراحة بعد الفراق.. والنوم بعد الأرق والهجران.. والمحبة بعد التيه والضياع.. والحياة بعد الممات.. والصحة بعد السقم.. والعافية بعد المرض.. والفرح والسرور بعد الضيق والحزن.. والسعادة بعد الكآبة.. والدهر.. ساعة حلو.. وساعة مر..
لأستسهلن الصعب أو أدرك المنى
فما انقادت الآمال إلا لصابر
واعلم أيها الحبيب.. عند جعل الأفكار فيما يفيد.. وعدم تأخير عمل اليوم إلى الغد.. وبدء الأعمال بالأهم.. مع تخير من الأعمال ما يناسب.. ومصاحبة أهل التقى والصلاح.. لأنهم طريق النجاة والفلاح.. ومعاملة الأهل والأصحاب.. برؤية المناقب ونسيان المثالب.. لأنه ما من أحد إلا وفيه معائب.. ولو تركت كل ذي عيب لن تجد من تصاحب.. والصبر عند نزول المصائب.. والتأسي بالمنكوبين والمصابين.. والبعد عن الأفكار المدمرة.. عندها يتبدل الحقد والكره إلى محبة ووئام.. ويتبدل الغضب إلى راحة وسكينة.. ويتبدل البغض والحسد إلى تسامح وإيثار وتضحية.. وتتبدل الإساءة إلى إحسان.. ويتبدل الكفر إلى توبة وغفران.. ويتبدل الغي والضلال إلى رشد وهدى.. ويتبدل الهلاك إلى نجاه.. ويتبدل المرض إلى صحة وعافية.. ويتبدل العذاب إلى نعيم مقيم.. ويتبدل الصمت القاتل إلى كلام يرضي رب الأنام.. ويتبدل البكاء إلى فرح وسرور.. ويتبدل الحزن إلى سعادة وراحة بال..
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعاً
وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها فرج قريب
وعليك أيها السائل المحب.. بعدم اليأس.. مهما عظم البلاء.. واشتدت الظلماء.. وكثر الأعداء.. فإن الأمر بيد رب الأرض والسماء.. وعليك بالصبر الجميل.. وتفويض الأمر إلى الجليل.. والرضى بالقليل.. والعمل بالتنزيل.. والاستعداد ليوم الرحيل..
دع الأقدار تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء
فلا حزن يدوم ولا سرور
ولا بؤس عليك ولا رخاء
إذا ما كنت ذا قلب قنوع
فأنت ومالك الدنيا سواء
وأرض الله واسعة ولكن
إذا نزل القضاء ضاق الفضاء
واعلم أيها المحب.. أن فضول العيش أشغال.. وكثرة المال أغلال.. وإقبال الدنيا هموم وأثقال.. وأن خير النعيم راحة البال.. ومن وقع في عرضك وفجر.. وأسمعك ما يوجب الضجر.. فتجاهله ولا تجبه حتى يندحر.. والكلب لا يملأ فمه إلا الحجر..
واحرص على حفظ القلوب من الأذى
فرجوعها بعد التنافر يصعب
إن القلوب إذا تنافر ودها
مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
إياك واليأس أو القنوط أو الكسل والخمول والدعة على إثر الابتلاءات والكوارث والمصائب .. ثم إياك والاتكال على الأقدار والتواكل والفتور عن خوض غمار التجربة مرة أخرى إن لم تدرك مبتغاك ولم تصل إلى مطلبك ولكن إمضي إلى ما عزمت عليه قدماً دون توقف أو تردد موقنا أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.. وعليك الأخذ بالأسباب أما النتائج فبيد الله سبحانه وتعالى..
حاول جسيمات الأمور ولا تقل
إن المحامد والعلا أرزاق
وارغب بنفسك أن تكون مقصراً
عن غاية فيها الطلاب سباق
لا تشفقن فإن يومك إن أتى
ميقاته لم ينفع الإشفاق
وفي الختام..
دون المعالي مرتقى شاهق
فطر إلى ذروته أوقع
من لم يخض غمرتها لم يشد
قواعد المجد ولم يرفع

((تمت))

حدائق ذات أفنان ج1 ـ رسائل وردود ـ الرسالة :( تساؤلات واستفسارات تحتاج إلى إجابة)

الرسالة:
تساؤلات واستفسارات تحتاج إلى إجابة :

لدي هموم وأحزان.. واستفسارات وتساؤلات.. لم أجد لها إجابة.. ولم أستنبط لها الحلول.. ولم أجد لها الموضع المناسب.. الذي أبثها فيه إلا أنتِ.. لعلمي ويقيني.. بأني سأجد بغيتي.. وسأحصل على ما يريحني.. فعقلكِ الراجح سوف يُلهم الإجابة.. وفكركِ السليم سوف يستنبط الحل..
يطيـب العيـش أن تلقـى حكيمـاً
غــذاه العلـم والفـهم المصيـب
فيكشـف عنـك حيـرة كل جهـل
وفضـل العلـم يعرفــه اللبيـب
سقـام الحـرص ليـس لـه شفـاء
وداء الجهـل ليـس لـه طبيـب
متى تفتح الأبواب.. وتزال الجدران.. ويجتمع في صحن الدار كل أخوتي وأحبتي؟!!..
شباب ذللوا سبل المعالي
وما عرفوا سوى الإسلام دينا
ومتى تكسر القيود.. وتقطع السلاسل.. وتذاب القضبان.. وتلغى الحواجز.. وتمزق الفواصل؟!!..
ما الحبس إلا بيت كل مهانة
ومذلة ومكاره ما تنفد
يكفيك أن الحبس بيت لا ترى
أحداً عليه من الخلائق يحسد
ومتى أرى المسلم عزيزاً أبياً.. والإسلام عالياً خفاقاً.. والأقصى حراً طليقاً.. والظالم ضعيفاً حقيراً؟!!..
أما لله والإسلام حق
يدافع عنه شبان وشيب
ومتى أرى الابتسامة تملأ الوجوه.. والسعادة تعم النفوس.. والمحبة تسيطر على القلوب؟!!..
فلم أرى مثل الهم ضاجعة الفتى
ولا كسواد الليل أخفق طالبه
ثم كيف يتحول ذلك الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى عن باقي مخلوقاته.. إلى مسخ حيواني.. همه الوحيد.. إشباع جوعه.. في لحظة عابرة.. وشهوة عارمة.. ونزوة حيوانية بحتة؟!!.. رغم أنه
كفى زاجراً للمرء أيام دهره
تروح له بالواعظات وتغتدي
وكيف يتحول كثير من الناس.. من عبادة الرحيم البصير الجبار.. إلى عبادة الدرهم والدينار؟!!..
إذا طمع يحلُّ بقلب عبد
علته مهانة وعلاه هون
وكيف يقتل الأخ أخاه.. ويعق الابن أباه.. ويفجر الولد بأمه وذويه.. وتبيع البنت شرفها بأبخس الأثمان؟!!..
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدي إن عيشك هازل
أم كيف يخون الزوج زوجته.. وتخون الزوجة زوجها.. وقد تعاهدا بكتاب الله.. وبسنة نبيه صلى الله عليه وسلم؟!!.. وأصبح ويا للأسف شعارهم في الحياة :
وهل أنا إلا من غزية إن غوت
غويت وان ترشد غزية أرشد
أم كيف تقتل الأم وليدها وفلذة كبدها إثر نزوة حيوانية عابرة؟!.. حتى إنني..
عجبت حتى غمني السكوت
صرت كأني حائر مبهوت
وهل يا ترى يهدأ القلب بعد الثوران؟!.. أم هل تسكن الروح بعد الطوفان؟!.. أم هل تخمد الأحاسيس بعد الاشتعال؟!.. فـ
الدهر لا يبقى على حاله
لكنه يقبل أو يدبر
وهل سيصمد الجسم أمام هجمات الجراثيم ومصارعة الأمراض والأسقام؟!.. حيث
كم من عليل قد تخطاه الردى
فنجا ومات طبيبه والعوَّد
أم هل تطمئن النفس بعد الغدر والخيانة؟!.. أم هل يتحد التركيز والتفكير بعد التيه والضياع؟!.. أم هل يجتمع الأخوة على مائدة القرآن وفي رضى الرحمن؟!.. أم هل يلتقي الصحب والخلان بعد التشتت والهجران؟!..لأنه..
صوت الشعوب من الزئير مجمعٌ
فإذا تفرقت كان بعض نباح
وهل بعد الشدة من فرج؟!.. وهل بعد الكفاح من نجاح؟!.. وهل بعد الكذب من صدق؟!.. وهل بعد التكبر من تواضع؟!.. وهل بعد الرياء من حقيقة؟!.. وهل بعد الخطأ من ندم وتوبة؟!.. وهل بعد الظلم من عدل ورحمة؟!.. وهل بعد الهزيمة من فوز ونصر؟!.. وهل بعد النفاق من إيمان؟!.. وهل تعود الراحة بعد الفراق؟!.. وهل يعود النوم بعد الهجران؟!.. وهل تعود المحبة بعد التيه والضياع؟!.. وهل من حياة بعد الممات؟!.. وهل تعود الصحة بعد السقم؟!.. وهل تعود العافية بعد المرض؟!.. وهل يعود الفرح والسرور بعد الضيق والحزن؟!.. وهل تعود السعادة بعد الكآبة؟!.. وهل يعود الأمل بعد اليأس؟!.. وهل تعود القوة بعد الضعف؟!.. وهل تعود العزة بعد الذل؟!.. وهل يعود النور بعد الظلمة؟!.. وهل تعود النخوة بعد البرود؟!.. وهل بعد الغضب من سكينة؟!.. وهل بعد الكراهية من حب؟!.. وهل بعد العداوة من محبة؟!.. وهل بعد الحرب من سلم؟!.. وهل بعد الفراق من لقيا؟!..
وكيف يصح في الأذهان شيء
إذا احتاج النهار إلى دليل
وهل يتبدل الحقد والكره إلى محبة ووئام؟!.. وهل يتبدل الغضب إلى راحة وسكينة؟!.. وهل يتبدل البغض والحسد إلى تسامح وتضحية وإيثار؟!.. وهل بعد الإساءة من إحسان؟!.. وهل بعد الكفر من توبة وغفران؟!.. وهل بعد الغي والضلال من رشد وهدى؟!.. وهل بعد الهلاك من نجاه؟!.. أم هل بعد المرض من عافية؟!.. أم هل بعد العذاب من حساب؟!.. وهل بعد الصمت من كلام؟!.. وهل بعد البكاء من سعادة؟!.. وهل بعد الحزن من فرح؟!.. وهل؟!.. وهل؟!.. فهل يا ترى؟!.. ومتى؟!!..
وما فتئ الزمان يدور حتى
مضى بالمجد قوم آخرونا
وأصبح لا يرى في الركب قومي
وقد عاشوا أئمته سنينا
وآلمني وآلم كل حر
سؤال الدهر أين المسلمونا؟!!
ترى هل يرجع الماضي فإني
أذوب لذلك الماضي حنينا
إني في انتظار الإجابة.. فلا تتأخري.. فقد أعياني التفكير.. وأقض مضجعي.. والذي سيؤدي بي في نهاية المطاف إلى الجنون!!.. إن لم أجد ما يروي عطشي.. ويشبع فكري!!.. لكني أحياناً
أعلل النفس بالآمال ارقبها
ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل

حدائق ذات أفنان ج1 ـ رسائل وردود ـ الرد :( رسالة إلى زوجي الحبيب الغالي)

الرد:
رسالة إلى زوجي الحبيب الغالي:

الحمد لله الذي جعل الزواج ستراً وصيانة للنساء.. وكرمهن وصانهن من عبث العابثين.. وأوجب لهن حقوقاً.. وأشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. القائل في كتابه العزيز.. {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً }(النساء: 19).. وقوله سبحانه :{هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} (البقرة: 187).. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.. خير من عاشر بمعروف.. القائل : << استوصوا بالنساء خيراً >> (صحيح مسلم [1468] ج2 ص1091) والقائل : <<خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي >> (صحيح ابن حبان [4177] ج9 ص484).. والقائل : << أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خيارهم لنسائهم >> (موارد الظمآن [1311] ج1 ص318).. صلوات الله وسلامه عليه.. وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد..
وافى الكتاب فأوجب الشُّكرا
فضممته ولثمته عشرا
وخضضته وقرأته فإذا
أجلى كتاب في الورى يقرا
فمحاه دمعي من تحدُّره
شوقاً إليك فلم يدع سطرا
تحية طيبة معطرة بالورد والرياحين.. مبعوثة عبر نسائم الصباح.. ببريد الزمن.. لتصل إلى من ألهب مشاعري.. بالغبطة والسرور.. وأنار طريقي.. بإشراقة الحياة بعد ظلمة الوحدة.. وانتشلني من جحيم العنوس إلى جنة الحياة الزوجية.. إلى من قهر الصعاب.. وحارب كل من كان يقف عثرة في طريق حياتنا.. إلى من سلب لب عقلي.. وسيطر على مفتاح قلبي.. وملك زمام أمري..
إني أحبُّك حباً ليس يبلغه
فهم ولا ينتهي وصفي إلى صفته
أقصى نهاية علمي فيه معرفتي
بالعجز مني عن إدراك معرفته
إليك يا أغلى من أحببت.. وأطهر من عرفت.. وأنبل من عاشرت.. وأسمى من رأيت..
كم أحمل في هواك ذلاً وعنا
كم أصبر فيك تحت سقم وضنا
لا تطردني فليس لي عنك غنا
هذا نفسي إذا أردت الثمنا
إليك يا زوجي الحبيب الغالي.. فقد وصلتني رسالتك.. وأسعدني كلامك.. وسرني بيانك.. وفهمت مرامك.. ولقد قرأتها مرات ومرات.. فكلماتك أثلجت صدري.. وأبهجت نفسي.. وكانت برداً وسلاماً على قلبي.. وزادت من أشواقي إليك أكثر وأكثر.. فالدنيا يا قرة عيني.. حلوة نضرة بوجودك.. وعبوسة كالحة بفقدك وغيابك..
إن يطل بعدك ليلي فكم
بتُّ أشكو قصر الليل معك
وأعلم يا زوجي الحبيب.. أنك شريان حياتي.. ومبلغ أملي.. وراحة بالي.. ومهما حاولت.. فلن أصل إلى عظيم أخلاقك.. وصدق عواطفك.. ومهما حاولت.. فلن أوفيك حقوقك.. ولكن يكفيني من الدنيا.. أن نعيش معاً.. ويظلنا سقف واحد.. ولا تفرقنا الأماني.. ولا تبعدنا الأحلام.. ولا تشتتنا الأوهام.. فليس لي هدف في هذه الحياة.. إلا إسعادك.. وليست لي غاية.. إلا إرضاؤك.. فرضاك عني هو جنتي.. وابتسامتك في وجهي هي نعمائي وسعادتي..
ما تقلبت من نومي وفي سنتي
إلا وذكرك بين النفس والنفس
زوجي الحبيب.. قد كنت في الحقيقة.. أستمع لكلام بعض الناس.. ظانة أنهم يريدون مصلحتي.. ويبحثون عن سعادتي.. وهمهم الوحيد هو سروري ورضاي.. فكنت أستمع لنصحهم.. وأمتثل لرأيهم.. بحسن نية.. وطيبة نفس.. ولم أعلم بأني في عالم مليء بالوحوش والأفاعي.. تتلون وتتشكل حسب الأهواء والرغبات.. لكي تخدع فريستها.. وتنقض على ضحيتها..
خبرت بني الأيام طراً فلم أجد
صديقاً صدوقاً مسعداً في النوائب
وأصفيتهم مني الوداد فقالوا
صفاء ودادي بالقذى والشوائب
وما اخترت منهم صاحباً وارتضيته
فأحمدته في فعله والعواقب
ورغم هذا.. لم يكن عملي هذا.. لإرضاء نفسي.. ولا لإشباع رغباتي.. وإنما كنت أبحث عما يريحك.. وعما يسعدك.. ويهدأ بالك.. ولما نبهتني لهذا الأمر.. ونصحتني بالابتعاد عنهم.. تنبهت لخطئي.. ورجعت عن أمري.. واستغفرت ربي.. وعدت إلى رشدي..
اقبل معاذير من يأتيك معتذراً
إن برَّ فيما قال أو فجرا
واعلم يا زوجي الغالي.. إن سبب بحثي واهتمامي.. لما يرضيك ويسعدك.. هو أني أحببتك حباً لا يوصف.. فملك حشاشة قلبي.. وسيطر على مجريات تفكيري.. ولهذا فإنك تجدني :
أغار عليك من نظري ومني
ومنك ومن مكانك والزمان
ولو أني خبأتك في جفوني
إلى يوم القيامة ما كفاني
ولكني أعاهدك بالله يا زوجي الحبيب.. بأني سأكون طوع أمرك.. ورضى نفسك.. فلا ترى مني شيئاً إلا ما يسرك.. فتعال بنا نبدأ صفحة جديدة.. نسلك فيها درب الرحمن.. ونمشي في طريق الرضوان.. ونتحد ضد حزب الشيطان.. لنعيش في هذه الحياة في وئام وسلام.. فإني والله أحببتك بكل جوارحي.. ولا أستطيع التخلي عنك.. ولا أتصور حياتي بدونك..
لقد جرى الحبُّ مني
مجرى دمي في عروقي
فاعذرني يا زوجي الغالي.. على كلماتي المتواضعة.. وجملي المتفككة.. وأفكاري المفبركة.. فهي لا تمثل إلا جزءاً يسيراً مما يختلج في قلبي.. فيغذي شراييني.. ويسعد نفسي.. وتبتهج روحي.. فلساني لا يقدر أن يصف شعوري.. وقلبي لا يبين عن سروري.. وقلمي لا يستطيع أن يعبر عن أحاسيسي.. وبناني لم يطاوعني في كتابة جملي وأفكاري..
كتبت إليك بماء الجفون
وقلبي بماء الهوى مشرب
فكيف أخطُّ وقلبي يمل
وعيني تمحو الذي أكتب
فليس يتمُّ كتابي إليك
بشوقي فمن هنا أعجب
وأعلم أن سعادتي بوجودك.. وسروري بلقائك.. وحبوري برؤية وجهك الوضاء الباسم.. فأنت قمر أضاء ظلمة حياتي.. فأشرقت شمس صبحي.. ولمت شعث أفكاري.. وأنارت عتمة ليلي.. وأنت كالهواء الذي لا يمل.. وكالماء الذي لا يستغنى عنه.. ولكن..
أسلم إن أراد الله أمراً
فأترك ما أريد لما يريد
وبرغم ذلك إلا إنني قطعت عهدا على نفسي يا زوجي الحبيب.. بأن أكون طوع أمرك.. وأن أكون نعم الزوجـة لك.. وأن لا تـرى مني إلا ما يسرك.. وأن أحرص على إسعادك ما استطعت.. وأن تكون حياتك كلها سعادة وسرور.. وأعلم..
أن المحب إذا أحب حبيبه
صدق الوفاء وأنجز الموعودا
نعم.. هذا ما قد رسمته لمستقبلي معك.. الحرص على إسعادك وإرضائك ما استطعت..
فليتك تحلو والحياة مريرة
وليتك ترضى والأنام غضاب
وليت الذي بيني وبينك عامر
وبيني وبين العالمين خراب
إذا صح منك الود فالكل هين
وكل الذي فوق التراب تراب
وفي الختام أقول لك :
قد كنت من قبل النوى
مما ألاقي جزعا
تركتموني بعدكم
أشرب دمعي جرعا

التوقيع : زوجتك المخلصة دوماً

حدائق ذات أفنان ج1 ـ رسائل وردود ـ الرسالة :( رسالة إلى زوجتي الغالية)

الرسالة :
رسالة إلى زوجتي الغالية :

(إلى زوجتي الغالية ):

الحمد لله الذي خلق لنا من أنفسنا أزواجاً.. وجعل علاقة الزوج بزوجته تقوم على التعارف والمودة.. والرحمة والصيانة.. والحفظ والعفة.. وأشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. القائل في كتابه العظيم : {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ}(الروم: 21).. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله.. حض على الألفة بين الزوجين.. وضرب لنا أروع الأمثلة في التعامل مع زوجاته.. القائل : << ما استفاد المؤمن بعد تقوى الله خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته وإن غاب عنها نصحته في نفسها وماله>> (سنن ابن ماجة [1857] ج1 ص596).. وقوله صلى الله عليه وسلم عندما سأل عن أي المال خير فقال: << أفضله لساناً ذاكراً وقلباً شاكراً وزوجة مؤمنة تعينه على إيمانه>>(مسند أحمد [22446] ج5 ص278) .. صلوات الله وسلامه عليه.. وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
فررت من اللقاء إلى الفراق
فحسبي ما لقيت وما ألاقي
سقاني البين كأس الموت صرفاً
وما ظني أموت بكف ساقي
فيا برد اللقاء على فؤادي
أجرني اليوم من حر الفراق
أيتها الزهرة المشرقة.. والوردة المتفتحة.. والعطر الندي.. يا صاحبة الابتسامة الوضاءة المشرقة.. التي غمرت روحي بإشراقها.. وأذابت عن كاهلي أحزاني وآلامي.. وجددت لي آمالي وتطلعاتي.. ويا صاحبة الجمال الذي جمله الحياء.. وعطره الصدق.. وزانه طاعة الرحمن.. والابتعاد عن مسالك الشيطان.. وسلوك درب أهل الرضوان..
نفسي الفداء لمن عصيت عواذلي
في حبِّه لم أخش من رقبائه
الشمس تطلع عن أسرة وجهه
والبدر يطلع من خلال قبائه
يا نور عيني وبصيص أملي.. ما عاد لي بعدكِ جسدٌ تأوي إليه روحي.. أو يضم بين جنبيه بقايا قلبي.. أو مكان أخبئ فيه أحاسيسي ووجدي.. أو موضع يستوعبه عقلي وفكري..
ودعت قلبي حين ودعتهم
وقلت يا قلبي عليك السلام
وصحت بالنوم انصرف راشداً
فإن عيني بعدهم لا تنام
فشوقي لكِ هد حيلي.. وأضعف جسمي.. وأذهب عقلي.. وبعدك عني.. حطم آمالي.. وأزاح تطلعاتي.. وقضى على أفراحي.. وهدم سعادتي.. وتبخرت أحلامي.. وذابت أفكاري.. وأنا أجري وراء هدفي وغايتي.. كجري العطشان وراء السراب.. لا يجد منتهاه.. ولا يصل إلى غايته.. ولا يعرف طريقه.. ولا إلى أي الجهات يكون سبيله؟!!..
هل أنت شافية قلباً يهيم بكم
لم يلق عروة من عفراء ما وجدا
ما في فؤادي من داء يخامره
إلا التي لو رآها راهب سجدا
فيا نور قلبي.. ونبراس حياتي.. كلماتي لا تسعك.. وجملي لا تستوعبك.. فأنتِ أعظم وأرقى وأسمى.. من أن يخطها بناني.. أو يلوجها لساني.. أو يصفها قلمي.. أو يعبر عنها وجداني.. أو يسطرها دمي.. أو يتخيلها فكري.. أنت وردة في بستان من الأشواك.. ونسمة في زمن العواصف والرياح.. ونور في عصر الظلمة.. وصفاء في زمن الغيوم المظلمة.. والقلوب المعتمة.. وجوهرة ازدانت بها الحياة..
أحبك يا شمس الزمان وبدره
وإن لامني فيك السهى والفرقد
إني أرسل إليكِ اعترافي واعتذاري.. بسبب خطئي وتقصيري.. فقلبكِ الواسع يتحمل هفواتي.. وعقلكِ الكبير يغفر زلاتي.. وأخلاقكِ الأصيلة تمنعكِ من مقاضاتي.. وإحساسكِ المرهف من المستحيل أن يصدق على مقاطعتي.. وعواطفكِ الصادقة أبداً لا تفكر في فراقي.. فرفقاً بنفسكِ وبي يا حياتي وعمري..
أمازحها فتغضب ثم ترضى
فكل فعالها حسن جميل
فإن غضبت فأحسني ذي دلال
وإن رضيت فليس لها مثيل
ونصيحتي لكِ أن لا تنصتي لنصح الجاهلين.. أو تلتفتي لكلام الحمقى.. أو تحزني لمقولة الحاسدين.. ولا تكترثي بشماتة الأعداء.. أو نظرات الحاقدين.. أو شعارات البله.. ولا تنخدعي بالأشكال البراقة.. والجلود الملساء.. فإنها أفاعي ووحوش.. تنتظر غفلتك.. وتترقب رقدتك.. لتنهش جسدكِ.. فكوني على حذر..
لا يكن ظنُّك إلا سيئاً
إنَّ سوء الظن من أقوى الفطن
ما رمى الإنسان في مهلكة
غير حسن الظن والقول الحسن
وإني والله عكس ما يقولون.. ومخالف ما يفعلون.. وسالك طريقاً هم عنه مبتعدون.. ومنهجاً هم له مناهضون..
تحكَّموا فاستطالوا في تحكُّمهم
وعمَّا قليل كأن الأمر لم يكن
لو أَنْصَفُوا أُنْصِفُوا لكن بغوا فبغى
عليهم الدهر بالأحزان والمحن
فأصبحوا ولسان الحال ينشدهم
هذا بذاك ولا عتب على الزمن
ولهذا هم لي محاربون.. وللقضاء عليّ هم مبرمون.. ولتكميم قلمي.. وتمزيق ورقي.. وقطع لساني.. وبتر قلبي.. وسلب عقلي.. ومحو أفكاري.. هم ماضون.. ولكني..
اعرض عن الجاهل السفيه
فكلُّ ما قال فهو فيه
ما ضرَّ بحر الفرات يوماً
إن خاض بعض الكلاب فيه
ولكني رسمت طريقاً هم عنه غافلون.. ومن منهجه محاذرون.. وفكراً هم له مناوئون.. وأسلوباً هم عن مبتعدون.. أسأل الله العلي القدير العون والتأييد.. على كل جبار عنيد.. وكل من خالف منهج الرب الودود..
متى يشتفي منكِ الفؤاد المعذب
وسهم المنايا من وصالك أقرب
فبعد ووجد واشتياق ورجفة
فلا أنت تدنيني ولا أنا أقرب
كعصفور في كف طفل يزمها
تذوق حياض الموت والطفل يلعب
فلا الطفل ذو عقل يرق لحالها
ولا الطير مطلوق الجناح فيهرب
ولو كان لي قلبان عشت بواحد
وأفردت قلباً في هواكِ يعذب
ولي ألف وجه قد عرفت طريقه
ولكن بلا قلب إلى أين يذهب
وفي الختام أقول لكِ :
إن كان عهود وصلكم قد درست
فالروح إلى سواكم ما أنست
أغصان هواكم بقلبي غرست
منوا بلقائكم وإلا يبست

التوقيع :
زوجك المحب أبداً

حدائق ذات أفنان ج1 ـ الرسائل : 6) (رسالة إلى متكبر)

الرسالة السادسة:
رسالة إلى متكبر:

الحمد لله العزيز الجبار.. جلت عظمته.. وسمت حكمته .. وتجلت في خلقه قدرته.. وعمت على عباده نعمته.. ولا شريك له في ملكه.. إن يشأ يرحم وإن يشأ يعذب.. فمجاز من اهتدى واتقاه.. بجنة رحيبة شيِّقة.. ومعذب من بغى وتكبر.. بنار مستعرة.. وقودها الناس والحجارة.. كسر ظهور الأكاسرة عزه وعلاه.. وقصر أيدي القياصرة عظمته وكبرياؤه.. فالعظمة إزاره.. والكبرياء رداؤه.. ومن نازعه فيهما قصمه بداء الموت فأعجزه دواءُه.. القائل في كتابه العزيز : { سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ } (الأعراف: 146).. وقوله : { إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ } (النحل:23).. وقوله : { إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ } (غافر: 60).. وقوله : { فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ } (الزمر:72، غافر76).. وقوله : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } (الدخان: 43ـ 49) .. والصلاة والسلام على خير مبعوث في الأنام .. الآمر بالتواضع.. والناهي عن الغرور والتكبر.. القائل في الحديث القدسي : << يقول الله سبحانه الكبرياء ردائي والعظمة إزاري من نازعني واحداً منهما ألقيته في جهنم >> (سنن ابن ماجه [4174] ج2 ص1397) والقائل : << يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر في صور الرجال يغشاهم الذل من كل مكان فيساقون إلى سجن في جهنم يسمى بولس تعلوهم نار الأنيار يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال>> (سنن الترمذي [2492] ج4 ص655) والقائل : << بئس العبد عبد تخيل واختال ونسي الكبير المتعال.. بئس العبد عبد تجبر واعتدى ونسي الجبار الأعلى.. بئس العبد عبد سها ولهى ونسي المقابر والبلى.. بئس العبد عبد عتا وطغى ونسي المبتدأ والمنتهى>> (سنن الترمذي [2448] ج4 ص632).. وعلى آله وصحبه المتقين الأكرمين.. وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين .. أما بعد:
كم جاهل متواضع
ستر التواضع جهله
ومميز في علمه
هدم التكبر فضله
فدع التكبر ما حييت
ولا تصاحب أهله
فالكبر عيب للفتى
أبدا يقبح فعله

هذه رسالة أرسلها إليك.. بعد أن نفذت كل الطرق والأساليب في إرجاعك إلى حظيرة الإسلام.. ولكني لم أيأس.. فلعل هذه الرسالة تلاقي قلباً واعياً.. وعقلاً ألمعياً.. تزيح عنه غشاوة الظلام بنور اليقين.. وتبدد سحاب الجهل بنسمات الحق..
جد في الجد قد تولى العمر
كم ذا التفريط قد تدانى الأمر
أقبل فعسى يقبل منك العذر
كم تبنى وكم تنقص كم ذا الغدر

فاعلم هداك الله إلى ما يحبه ويرضاه.. أن هذه الحياة مهما طالت وامتدت.. وعمر فيها الإنسان ما عمَّر.. وعاش فيها ما عاش.. وأخذ فيها بمباهجها وزخرفها.. إلا أنها ليست بدار قرار ولا استقرار.. وليست بدار خلود ولا بقاء.. ولا دوام ولا استمرار..
أرى الدنيا لمن هي في يديه
هموماً كلما كثرت لديه
تهين المكرمين لها بصغر
وتكرم كل من هانت عليه
إذا استغنيت عن شيء فدعه
وخذ ما أنت محتاج إليه
إن التقوى من الدنيا بلاغ
ورزق المرء مبعوث إليه

فالدنيا إنما هي دار عبور وسفر.. ورحيل وانتقال.. يعبر منها الإنسان.. إلى دار باقية خالدة.. لا يفنى نعيمها.. كما لا ينقطع عذابها.. فهي تنقسم إلى قسمين.. ويماز أهلها إلى فريقين : { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير} (الشورى: 7).. ينتقل الإنسان إلى تلك الدار.. التي فيها من النعيم لعباد الله الصالحين.. ما لا عين رأت.. ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. ولا تخيله وهم ولا فكر.. فالألباب تحار في حسن صنعة الجنة.. وجمال هيئتها.. وبهجة منظرها.. وعظيم سعتها.. فاسمع معي حينما يصفها من يعرفها.. فيقول سبحانه : { مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاء غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ } (محمد: 15)..
وقوله سبحانه : { وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ * عَلَى سُرُرٍ مَّوْضُونَةٍ * مُتَّكِئِينَ عَلَيْهَا مُتَقَابِلِينَ * يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُّخَلَّدُونَ * بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِّن مَّعِينٍ* لَا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنزِفُونَ * وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ * وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ * جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلَا تَأْثِيمًا * إِلَّا قِيلًا سَلَامًا سَلَامًا * وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ* وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} (الواقعة: 10ـ 40).. وغيرها من الآيات الكثيرة.. في وصف الجنة.. والنعيم الذي أعده الله تعالى للطائعين..
إن لله عباداً فطنا
تركوا الدُّنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحيٍّ وطنا
جعلوها لجَّة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا

والله سبحانه.. كما أعد للطائعين الثواب.. أعد للعاصين العقاب.. فقد أعد للعصاة المعاندين المتكبرين.. ما لا عين رأت.. ولا أذن سمعت.. ولا خطر على قلب بشر.. ولا تخيله وهم ولا فكر.. فاسمع معي حينما يصفها من يعرفها.. فيقول سبحانه : { إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا } (النساء: 56) ..
وقوله : { وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ * وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ * وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ * لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ } (الحاقة: 25ـ 37).. وغيرها من الآيات الكثيرة.. في وصف العقاب الذي أعده الله تعالى للعاصين..
إذا ما ظالم استحسن الظلم مذهباً
ولجَّ عتواً في قبيح اكتسابه
فكله إلى صروف اللَّيالي فإنها
ستبدي له ما لم يكن في حسابه
فكم قد رأينا ظالماً متمرداً
يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه
فعما قليل وهو في غفلاته
أناخت صروف الحادثات ببابه
فأصبح لا مال ولا جاه يرتجى
ولا حسنات تلتقي في كتابه
وجوزي بالأمر الذي كان فاعلاً
وصبَّ عليه الله سوط عذابه


واسمع معي عقاب المتكبرين في الآخرة .. يقول سبحانه : وقوله : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ * خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ } (الدخان: 43ـ 49).. فها أنت قد علمت.. ماذا أعد الله للطائعين من عباده.. وماذا أعد للعاصين من عباده.. والخيار راجع لك.. أي الطريقين تختار أن تسلكه.. طريق الشقاوة والضلال.. الذي آخره ندم وتحسر.. أم طريق الهدى والإيمان.. والذي آخره راحة وطمأنينة.. ونعيم مقيم..
يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته
أنظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة
وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك
والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً
أقصر فإنك مأكول ومشروب


أيها الرجل.. دع عنك التسويف وتأجيل التوبة.. إلى ما بعد الشباب.. فالموت أقرب إليك من حبل الوريد.. ولا تغررك الدنيا بزخرفها وبريقها.. فهي خداعة مكارة.. لا يأمن جانبها..
كم ضاحك والمنايا فوق هاماته
لو كان يعلم غيباً مات من كمد
من كان لم يؤت علماً في بقاء غد
ماذا تفكُّره في رزق بعد غد


أيها الرجل.. ماذا تفعل لو جاءك الموت.. وأنت على تلك الحالة من الكبر والغرور.. والروح في تغرغرها.. وقد بلغت الحلقوم.. فكيف يكون حالك.. وما هو مآلك.. وترى الأهل واقفين بجوارك.. هذا يبكي.. وذاك يصيح.. وذاك يتلوى.. وذاك يتألم.. وبعد لحظة.. خرجت الروح.. وبدؤوا يغسلونك.. وفي الأكفان يضعونك.. وفي القبر بعد أن صلوا عليك يتركونك.. وبالحصـى والطين يغطونك.. فهل فكرت واستعددت لهذا العمل؟! وهل انتبهت من غفلتك؟!..
وكم من عبرة أصبحت فيها
يلين لها الحديد وأنت قاس
إلى كم والمعاد إلى قريب
تذكر بالمعاد وأنت ناس
وبادرت إلى التوبة والرجوع إلى الحق.. { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّمَن يَخْشَى } (النازعات: 26)..
وجوههم من سواد الكبر عابسة
كأنما أوفدوا غصباً إلى النار
هانوا على الله فاستاءت مناظرهم
يا ويحهم من مناكيد وفجَّار
ليسوا كقوم إذا لاقيتهم عرضاً
أهدوك من نورهم ما يتحف الساري
من تلق منهم فقد لاقيت سيدهم
مثل النجوم التي يسري بها الساري

حدائق ذات أفنان ج1 ـ الرسائل : 5) (رسالة إلى صديق)

الرسالة الخامسة :
رسالة إلى صديق:

الحمد لله الذي جمع بالقرآن القلوب المتنافرة.. وأحيا به الضمائر الغارقة.. والذي يحب الكلمة الطيبة.. ويكره الكلمة الخبيثة .. لأن الكلمة الطيبة تؤلف بين القلوب.. وتقرب إلى علام الغيوب.. { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ} (فاطر: 10).. وأشهد أن لا إله إلا الله.. وحده لا شريك له.. يدعو إلى المحبة والوئام وحسن الكلام.. القائل : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (الحجرات : 10).. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله وسيد الأنام.. القائل : << إن أحدكم مرآة أخيه فإن رأى به أذى فليمطه عنه>> (سنن الترمذي [1929] ج4 ص325) والقائل : << عليكم بإخوان الصدق فإنهم زينة في الرخاء وعصمة عند البلاء>> (الأخبار والآثار ج1 ص79) .. صلى الله عليه وسلم وبارك.. وعلى آله الطيبين الطاهرين.. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد..

فاعلم يا أخي العزيز..
إذا المرء لا يرعاك إلا تكلُّفاً
فدعه ولا تكثر عليه التأسفا
ففي الناس أبدال وفي الترك راحة
وفي القلب صبر للحبيب ولو جفا
فما كلُّ من تهواه يهواك قلبه
ولا كل من صافيته لك قد صفا
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خير في ودٍّ يجيء تكلُّفا
ولا خير في خلٍّ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
وينكر عيشاً قد تقادم عهده
ويظهر سراً كان بالأمس قد خفا
سلام على الدنيا إذا لم يكن بها
صديق صدوق صادق الوعد منصفا


أخي في الله.. أحييك بتحية الإسلام .. تحية أهل الجنة في الجنة .. تحية المؤمنين الصادقين .. فالسلام عليك ورحمة الله وبركاته.. لقد وصلتني رسالتك الكريمة.. فغمرتني بالراحة والسرور.. والطمأنينة والحبور.. ولكن عكر صفو فرحتي.. بعض الأمور.. حيث استنبطت من رسالتك.. إنك تعيش في جو من الآلام والأحزان .. وهذا لا ينبغي من أمثالك.. ممن يتصفون برجاحة العقل.. وسعة الصدر.. وحسن المنطق.. وإني على يقين.. بأنك قادر على تحمل أعباء كل المشكلات والمعضلات.. وعلى إذابة كل الصعاب والمحن.. وهذا حسن ظني فيك.. وأرجو أن تعتبرها مجرد سحابة صيف.. ستنقشع وتزول..
دع المقادير تجري في أعنتها
ولا تبيتن إلا خالي البال
ما بين غمضة عين وانتباهتها
يغير الله من حال إلى حال


واعلم أخي العزيز.. أن كل مؤمن مبتلى في حياته.. فهذه الدنيا دار اختبار.. لا ينجح فيها إلا من له قلب طاهر نقي.. كطهر الملائكة.. ونقاء الأنبياء والمرسلين.. وعرف ربه.. فعبده حق عبادته.. وقد قال الله تعالى.. في كتابه العزيز.. في سورة العنكبوت : {أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} (العنكبوت:2ـ3) .. فالإنسان في هذه الدنيا يا أخي العزيز.. يكون اختباره على حسب إيمانه.. فكلما زاد إيمان المرء.. زاد ابتلاؤه واختباره.. ولا يصمد إلا صادق الإيمان.. نتمنى من الله أن نكون من ضمنهم.. ومن المثال يتضح المقال : فمثلاً طلاب المدارس.. فإنهم في كل سنة ينتقلون.. من فصل إلى فصل.. أعلى منه مستوى ودراسة.. ولا ينتقل إلا الطالب المجتهد.. المثابر المخلص.. في عمله وواجبه ودراسته .. فيتعدى الفصول.. فصلاً تلو فصل.. ويتعدى المراحل.. مرحلة بعد مرحلة.. وكلها اختبارات في اختبارات.. ولا يصمد فيها ـ وكما قلنا سابقاً ـ إلا المجد المجتهد.. ثم بعد الانتهاء من مرحلة المدرسة.. ينتقلون إلى المرحلة المتقدمة.. ـ أي المرحلة الجامعية (دبلوم أو بكالوريوس ) ـ والعدد يقل ثم الدراسات العليا.. ( ماجستير ) .. فالدكتوراه.. ثم الأستاذية.. وهكذا نجد إن نسبة ضئيلة جداً تصل إلى هذا الحد.. من التفوق والنجاح..
كيف يرجوا من به كسل
نيلما قد ناله الرجل
من يريد العز يطلبه
في دروب ما بها سهل

فكذلك المؤمنون.. فإن نسبة قليلة تجتاز الاختبار الإلهي.. { وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} (سبأ: 13).. { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ} (ص: 24).. نسأل الله أن نكون منهم..
اصبر على مضض الإدلاج في السحر
وفي الروح إلى الحاجات والبكر
لا تجزعن ولا يضجرك محبسها
فالنجح يتلف بين العجز والضَّجر
إني رأيت وفي الأيام تجربة
للصبر عاقبه محمودة الأثر
وقل من جد في أمر يحاوله
فاستصحب الصبر إلا فاز بالظفر


والإنسان يا أخي الحبيب.. إذا وصل إلى درجة كبيرة من الإيمان بالله.. وامتلأ وتشبع قلبه بالإيمان.. فإنه سيصبح على يقين.. بأن ما أصابه لم يكن ليخطئه.. وأن ما أخطئه لم يكن ليصيبه.. فيعيش في كلا الحالتين.. في رضى وسعادة.. بما قسمه الله له في الحياة الدنيا.. وهذا هو الفرق بين المؤمن والكافر عند حدوث المصيبة.. فالمؤمن يحس بسعادة ورضا بما قدره الله.. والكافر يحس بحزن وضيق وتشاؤم وعبوس وقنوط.. فالإيمان بالقضاء والقدر.. هي القاعدة التي يجب أن يثوب إليها المؤمن.. في كل أمر ألم به سواء خير أو شر.. والتي يجب أن يسير على نهجها في هذه الحياة.. ولا يتزحزح عنها قيد أنمله..
لما رأيتك قاعداً مستقبلاً
أيقنت أنك للهموم قرين
فارفض بها وتعرَّ من أثوابها
إن كان عندك للقضاء يقين
ما لا يكون فلا يكون بحيلة
أبداً وما هو كائن سيكون
يسعى الذكيُّ فلا ينال بسعيه
حظاً ويحظى عاجز ومهين
سيكون ما هو كائن في وقته
وأخو الجهالة متعب محزون

وقد ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم .. أن كل ما يصاب به المؤمن.. من شر أو مصيبة ثم يصبر عليها.. محتسباً أمره إلى الله سبحانه وتعالى.. يجازى على إثر ذلك.. بالثواب الجزيل.. والأجر العظيم.. ففي الحديث: << ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه >> (صحيح البخاري [5318] ج5 ص2137).. كذلك يجب أن لا تُثبطنا المشكلات والمصائب.. وتجعلنا نعيش في سجن الأحزان والآلام.. وترمينا في بحر من التشتت والأوهام.. وتبعدنا عن مخالطة الأنام.. وتكمشنا عن ممارسة أعمالنا وواجباتنا.. بل يجب أن تعطينا هذه المشاكل.. الدافع القوي.. للتحدي والإصرار.. وعدم اليأس والقنوط.. ونكون دائماً.. متفائلين بتوفيق الله.. ونصره لنا.. لأن كل هذه المصائب.. التي ألمت بنا.. إنما تعتبر غسيلاً لخطايانا.. وتكفيراً لذنوبنا.. وليكن نصب عينيك.. حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال : << ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في جسده وفي ماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة>> (صحيح ابن حبان [2924] ج7 ص187)..
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضُّر نفعاً
وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على القنوط منك غوث
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها فرج قريب

والمشكلات التي تعاني منها.. وتعصرك بالآلام والأحزان.. وتبعدك عن مشاركتنا في أعمالنا.. وفي حياتنا اليومية.. فإني أدعو الله أن يزيلها عنك.. ـ وكما قلت لك سابقاًـ إذا وضعت هذه المشكلات.. في تلك القاعدة.. فإنها تصبح من السهولة بمكان.. معالجتها والقضاء عليها.. والمؤمن مبتلى.. والله سبحانه وتعالى قد أحبك.. فابتلاك بالمشكلات.. ليعلم مدى صدق إيمانك.. وتوكلك عليه.. وهل على إثر هذه المصائب والمشكلات.. قد أصبت بضجر أو سأم.. أو قنوط أو ملل.. هذه كلها اختبارات.. وكما قلت : إن الله سبحانه وتعالى.. إذا أحب عبده ابتلاه واختبره.. وقد جاء في السنة النبوية المطهرة.. على صاحبها أفضل الصلوات والتسليم.. إنه قال : << عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له>> (صحيح مسلم [2999] ج4 ص2295)..
لا تعجلن فربما
عجل الفتى فيما يضره
فالعيش أحلاه يعو
د على حلاوته بمره
ولربما كره الفتى
أمراً عواقبه تسره

فهذا الحديث الشريف.. يدل على أن كل الأمور الحادثة على المرء.. سواء كانت خيراً أو شراً.. فإنها تنصب في النهاية في مصلحة المؤمن.. إذا شكر النعمة.. وصبر على المصيبة.. أما إذا ضجر من المصيبة.. أو لم يشكر نعم الله عليه.. فإنها تصبح في غير صالحه.. ويلاقي من الله الجزاء.. لقوله صلى الله عليه وسلم : << إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط >> (سنن الترمذي [2396] ج4 ص601).. وفي حديث آخر.. قال عليه أفضل الصلاة والسلام: << إذا أراد الله بعبده الخير عجل في الدنيا وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة >>(سنن الترمذي [2396] ج4 ص601).. وكما عودتنا دائماً.. بطول البال.. وسعة الصدر.. والنظرة الشاملة.. فمثل هذه الأمور ستزول بإذن الله..
اصبر لكل مصيبة وتجلد
واعلم بأن المرء غير مخلد
واصبر كما صبر الكرام فإنها
نوب تنوب اليوم تكشف في غد
وإذا ذكرت مصيبة تشجى بها
فاذكر مصابك بالنبي محمد


واعلم أخي العزيز.. أن على الإنسان.. إذا أصابته مصيبة.. أن يستعين بالله أولاً.. ثم بعد ذلك.. يقوم بدراسة وتحري عن المشكلة.. ومعرفة الأسباب.. والحلول الكفيلة والناجعة لإصلاح هذا الخلل.. ثم بعد ذلك.. يكون عليه تطبيق الحلول المستنتجة والمقترحة.. وكذلك على الإنسان.. أن يستشيـر من هم أكثر منه.. قدرة وخبـرة.. في حـل مثل هذه المشكـلات والمعضلات.. ممن يثق في إخلاصهم.. ويطمئن لصدقهم.. فيحاولوا أن يستنبطوا الحلول المناسبة للمشكلة.. فإنه إذا اجتمعت مجموعة من العقول.. فإنه بإذن الله سيجدون الحل المناسب.. ومعرفة الداء يتطلب معرفة الدواء.. وفي الختام أقول :
لا تسألن بني آدم حاجة
وادع الذي أبوابه لا تحجب
الله يغضب إن تركت سؤاله
وبني آدم حين يسأل يغضب

حدائق ذات أفنان ج1 ـ الرسائل : 4) (رسالة إلى أصحاب الدماء الزرقاء)

الرسالة الرابعة:
رسالة إلى أصحاب الدماء الزرقاء:

الحمد لله الذي خلق الإنسان من طين.. أمر بطاعته ونهى عن التكبر والغرور..‍ القائل في كتابه العزيز :{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلَا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (الحجرات:11).. والقائل :{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات: 13).. وأصلي وأسلم على خير مبعوث للأنام.. محمد نبي الإسلام.. القائل : << بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم >> (صحيح مسلم [2564] ج4 ص1986).. والقائل : << وإن الله أوحى إليَّ أن تواضعوا حتى لا يفخر أحد على أحد ولا يبغي أحد على أحد >>(صحيح مسلم [2865] ج4 ص2198] .. والقائل : << كلكم لآدم وآدم خلق من تراب >>(سنن الترمذي [3955] ج5 ص734) .. صلى الله عليه وسلم وبارك.. وعلى آله الطيبين الطاهرين.. ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد..
فكم ذا رأينا ظالماً متجبراً
يرى النجم ـ تيهاً ـ تحت ظل ركابه
فلما تمادى واستطال بجوره
أناخت صروف الحادثات ببابه
وعوقب بالذنب الذي كان يجتني
وصبَّ عليه الله سوط عذابه
فلا فضة تحميه عند انفضاضه
ولا ذهب يثنيه عند ذهابه
عجبت منكم يا أصحاب الدماء الزرقاء.. كيف تعيشون وفيما تفكرون.. عفواً يا أصحاب الدماء الزرقاء.. إني لا أرى إلا أنكم جيفاً قامت على أشلاء وعلى أعقاب وعظام وجماجم الآخرين.. فلماذا إذاً هذا التباهي المصطنع؟!.. وهذا التكبر المتكلف؟!.. ولم هذه العظمة الزائلة؟!.. ولم هذا الغرور الفاني؟!..
اعتقد لأنه قد أصابكم نقص في العقل.. وغباء في الفهم.. وقصور في الإدراك.. وصغر في النفوس.. وإحساس عميق بانحطاط المنزلة.. فأنتم في قرارة نفوسكم.. تشعرون بنقصكم وتخلفكم.. وتريدون أن تجعلوا من كبريائكم وترفعكم.. ما يواري عوراتكم.. ويستر سوءاتكم.. ويداري من نقائصكم.. ولو أنصفتم أنفسكم.. لجملتموها بالتواضع.. وألبستموها حلل المتواضعين..
قل للذي بصروف الدهر عيرنا
هل حارب الدهر إلا من له خطر
أما ترى البحر تعلو فوقه جيف
ويستقر بأقصى قعره الدرر
فإن تكن نشبت أيدي الزمان بنا
ونالنا من تمادى بؤسه الضرر
ففي السماء نجوم ما لها عدد
وليس يكسف إلا الشمس والقمر
وكم على الأرض من خضر ويابسة
وليس يرجح غلا ما له ثمر
اعلموا أن الله سبحانه وتعالى.. بقدر ما يحب المتواضعين.. يبغض ويمقت المتكبرين.. فلا يزكيهم.. ولا ينظر إليهم يوم القيامة.. ولهم عذاب أليم.. عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :<< لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرء بأنفه إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي الناس كلهم بنو آدم وآدم خلق من تراب >>(سنن الترمذي [3955] ج5 ص734)..
تاه الأعيرج واستغلى به الخطر
فقل له خير ما استعملته الحذر
أحسنت ظنك بالأيام إذ حسنت
ولم تخف سوء ما يأتي به القدر
وسالمتك الليالي فاغتررت بها
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
يا أصحاب الدماء الزرقاء.. إني أرسل إليكم هذه القصة.. لعلها تلقى آذاناً صاغية.. أو قلوباً منشرحة.. أو عقولاً متفتحة.. بعد أن أعمى قلوبكم التفاخر.. وأصم آذانكم التعالي.. وأغشى على عقولكم التكبر والتباهي..
قال الأصمعي : بينما أنا أطوف بالبيت ذات ليلة.. إذ رأيت شاباً متعلقاً بأستار الكعبة.. وهو يقول :
يا من يجيب دعا المضطر في الظلم
يا كاشف الضر والبلوى مع السقم
قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا
وأنت يا حي يا قيوم لم تنم
أدعوك ربي حزيناً هائماً قلقاً
فارحم بكائي بحق البيت والحرم
إن كان جودك لا يرجوه ذو سفه
فمن يجود على العاصين بالكرم
ثم بكى بكاءاً شديداً وأنشد يقول :
ألا أيها المقصود في كل حاجة
شكوت إليك الضر فارحم شكايتي
ألا يا رجائي أنت تكشف كربتي
فهب لي ذنوبي كلها واقض حاجتي
أتيت بأعمال قباح رديئة
وما في الورى عبد جنى كجنايتي
أتحرقني بالنار يا غاية المنى
فأين رجائي ثم أين مخافتي
ثم سقط على الأرض مغشياً عليه.. فدنوت منه.. فإذا هو زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب.. فرفعت رأسه في حجري.. وبكيت.. فقطرت دمعة على خده.. ففتح عينيه وقال : من هذا الذي يهجم علينا؟!.. قال الأصمعي : سيدي.. ما هذا البكاء والجزع؟!.. وأنت من أهل بيت النبوة.. ومعدن الرسالة.. أليس الله تعالى يقول : {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا} (الأحزاب: 33).. قال : هيهات هيهات يا أصمعي.. إن الله خلق الجنة لمن أطاعه.. ولو كان عبداً حبشياً.. وخلق النار لمن عصاه.. ولو كان حراً قرشياً.. أليس الله يقول : { فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ * فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} (المؤمنون: 101ـ 103)..
دهر علا قدر الوضيع به
وترى الشريف يحطُّه شرفه
كالبحر يرسب فيه لؤلؤه
سفلا وتعلو فوقه جيفه
فيا أصحاب الدماء الزرقاء.. هل عرفتم هذه القاعدة التي أقرها ديننا الحنيف؟!.. أم هل قرأتم هذه الآيات من سورة المؤمنين؟!.. أتوقع لا.. لأنكم لو قرأتموها.. وتمعنتم في معانيها.. وعرفتموها حق المعرفة.. لاستحييتم من أنفسكم.. وتذكرتم أنه ليس هناك تفاضل بين البشر.. إلا بالتقوى والعمل الصالح..{ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13)..
من أتقى الله فذاك الذي
سيق إليه المتجر الرابح
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الناس جميعاً.. من أصل واحد.. هو آدم وحواء.. ومن عنصر واحد.. هو الطين والماء.. فالناس في أصل الخليقة سواسية.. << كلكم لآدم وآدم خلق من تراب>>(سنن الترمذي [3955] ج5 ص734) ..
الناس من جهة التمثال أكفاء
أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم في أصلهم شرف
يفاخرون به فالطين والماء
ما الفخر إلا لأهل العلم إنهمو
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وكما يعلم العقلاء.. أن الله سبحانه وتعالى.. قد جعل في الأرض أمماً وقبائل.. للتعارف والتناصر.. لا للتناكر والتفاخر.. وللتراحم والتعاون.. لا للتكبر والتظالم.. وقد قسم الله سبحانه وتعالى بينهم أرزاقهم.. ووضعهم في الدنيا مواضعهم.. طبق مشيئته وحكمته.. فغني وفقير.. وشقي وسعيد.. وقوي وضعيف.. وسقيم وصحيح.. وقد كرم الله تعالى من اتقاه.. وفضله على ما عداه.. فلا فضل لأبيض على أسود.. ولا فضل لعربي على أعجمي.. إلا بالتقوى.. فقد بين الله سبحانه وتعالى.. الخصلة التي يفضل بها الإنسان غيره.. ويكسب الشرف والكرم بسببها.. فقال عز من قائل :{ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} (الحجرات: 13) .. فأكرم الناس عند الله أتقاهم.. لا وجيههم.. ولا أغناهم.. ولا أقواهم..
ما بال من أوله نطفة
وجيفة آخره يفخر
لا فخر إلا فخر أهل التقى
غداً إذا ضمهم المحشر
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< لا تحاسدوا ولا تناجشوا ولا تباغضوا ولا تدابروا ولا يبع بعضكم على بيع بعض وكونوا عباد الله إخواناً المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره التقوى ههنا ويشير إلى صدره ثلاث مرات بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه>> (صحيح مسلم [2564] ج4 ص1986).. فيوم القيامة.. لا ينفع أحدهم نسبه.. ولو كان من سلالة هاشمية.. إن لم يقترن بعمل صالح يؤجر عليه.. ولا يضرك نسبك وإن كنت من أمة حبشية..
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه
فلا تترك التقوى اتكالاً على النسب
فقد رفع الإسلام سلمان فارس
وقد وضع الشرك الشريف أبا لهب
يا أصحاب الدماء الزرقاء.. كان الأجدر بكم.. أن تتناسوا تلك القاعدة الجاهلية العفنة.. التي لا تسمن ولا تغني من جوع.. لتتذكروا أن ربكم واحد.. وإن أباكم واحد.. كلكم لآدم.. وآدم من تراب.. وإن أكرمكم عند الله أتقاكم.. ليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى.. والعمل الصالح..
وما شرف الإنسان إلا بنفسه
وإن خصه جد شريف ووالد
إذا كان كل الخلق أبناء آدم
فأفضلهم من فضلته المحامد
حكي أن مطرف بن عبدالله بن الشخير نظر إلى المهلب بن أبي صفرة وعليه حلة يسحبها ويمشي الخيلاء.. فقال: يا أبا عبدالله ما هذه المشية التي يبغضها الله ورسوله؟
فقال المهلب : أما تعرفني ؟!
فقال : بل أعرفك!.. أوَّلك نطفة مذرة وآخرك جيفة قذرة وحشوك فيما بين ذلك بول وعذرة..
عجبت من معجب بصورته
وكان بالأمس نطفة مذرة
وفي غد بعد حسن صورته
يصير في اللحد جيفة قذرة
وهو على تيهه ونخوته
ما بين ثوبيه يحمل العذرة
وكتب عمر بن الخطاب إلى سعيد بن أبي وقاص حين ولاه حرب العراق: "لا يغرنَّك من الله أن قيل : خال رسول الله .. وصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم.. فإن الله عز وجل لا يمحو السيِّئ بالسيِّئ ولكنه يمحو السيِّئ بالحسن.. فإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا طاعته.. فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء.. الله ربهم.. وهم عباده.. يتفاضلون بالعافية.. ويدركون ما عنده بالطاعة.. فانظر الذي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا فالزمه.. فإنه الأمر "..
تفوز بنا المنون وتستبد
ويأخذنا الزمان ولا يرد
وانظر ماضياً في أثر ماض
لقد أيقنت أن الأمر جد
رويداً بالفرار من المنايا
فليس يفوتها الساري المجد
فأين ملوكنا الماضون قدماً
أعدوا للنوائب واستعدوا
أعارهم الزمان نعيم عيش
فيا سرعان ما استلبوا وردوا
هم فرط لنا في كل يوم
نمدهم وإن لم يستمدوا
كلمات نورانية نبعت من رجل ذا رأي سديد.. وفكر حصيف.. وعقل كبير.. وقد أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم بما يدل على عظيم منزلته عنده.. وبلائه في الإسلام.. ومما ورد فيه قوله صلى الله عليه وسلم : << إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه>> ( صحيح ابن حبان [6889] ج15 ص312)..
نمدهم وإن لم يستمدوا
أولى به من نسبه
واعلموا أن العمل الذي تقومون به.. من التعالي والتفاخر على عباد الله.. يندرج تحت هذه الآية.. ولن تسلموا من العقاب.. لأنه يعتبر إيذاء للمؤمنين.. قال تعالى : { وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} (الأحزاب: 58)..
يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته
أنظر خلاك فإن النتن تثريب
لو فكر الناس فيما في بطونهم
ما استشعر الكبر شبان ولا شيب
هل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة
وهو بخمس من الأقذار مضروب
أنف يسيل وأذن ريحها سهك
والعين مرفضة والثغر ملعوب
يا ابن التراب ومأكول التراب غداً
أقصر فإنك مأكول ومشروب
وفي الختام :
يا ابن آدم لا تغرك عافية
عليك شاملة فالعمر معدود
ما أنت إلا كزرع عند خضرته
بكل شيء من الأوقات مقصود
فإن سلمت من الآفات اجمعها
فأنت عند كمال الأمر محصود