الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( لماذا لا تبتسم؟!!)

سألتني زوجتي يوماً.. لماذا أراك دائماً متبرماً؟!.. ولماذا لا أراك تبتسم؟!.. ولماذا كل كتاباتك مليئة بالأحزان والآلام.. كأنك دائماً تعيش في مأتم؟!.. ولماذا تكون دائماً متشائماً ولا تتفاءل؟!.. كأنه ليس لديك أدنى أمل!!.. ولماذا لا أرى الابتسامة على شفتيك؟!.. أو ألمح السعادة في وجهك؟!.. ولماذا تكون جل وقتك شارداً؟!.. كأنك تعيش دائماً في مصائب ومحن!!.. وابتلاءات وفتن!!..
دع الأيام تفعل ما تشاء
وطب نفساً إذا حكم القضاء
ولا تجزع لحادثة الليالي
فما لحوادث الدنيا بقاء

فأجبتها بقولي :
مصائب أمتي اقتسمت فؤادي
ترى شقاً هنا وهناك شق
تنوعت الجراح فلا تلمني
إذا لم يبق في جنبي خفق

فيا زوجتي الغالية.. إني لست كما ترين.. ولست كما تتوقعين.. ولست كما الناس يظنون.. فلست متبرماً.. ولكن لم أجد ما يستدعي أن أبتسم..
لا تحسبني محباً أشتكي وصباً
أهون بما في سبيل الحب ألقاه
إني تذكرت والذكرى مؤرقة
مجداً تليداً بأيدينا أضعناه
ويح العروبة كان الكون مسرحها
فأصبحت تتوارى في زواياه
أنى اتجهت إلى الإسلام في بلد
تجده كالطير مقصوصاً جناحاه
كم صرفتنا يد كنا نصرفها
وبات يحكمنا شعب ملكناه

فهل أبتسم.. برؤية هياكل تترنح؟!.. أم جماجم تتماوج؟!.. أم أشباح تتراءى لي في اليقظة والمنام؟!!..
الخزي شوك تدميني أظافره
وتضرم العار في جنبي محتدما
ما مر من زمن عهد نسر به
ولا لقينا فم التاريخ مبتسما
في كل يوم صليب الكفر يدهمنا
ويبتني في زوايا بيتنا صنما
ولا ترى فتية للموت طامحة
ولا ترى عمراً غضبان مقتحما
لا أمتي أمة في العصر شاهدة
ولا لها حكمة إن عدت الحكما
لا أمتي أمة يزهو الزمان بها
ولم تعد تصنع الفرسان والقلما
رنت إلى دعة فانسل مخلبها
وانهد كاهلها واستؤكلت لقما

أم هل أبتسم.. بسبب صياح الثكالى؟!.. أم نياح الأرامل؟!.. أم ببكاء اليتامى.. أو عويل العجائز؟!.. أم بتأوه المظلوم.. أو صرخة مغتصبة؟!! ولسان حالها يقول..
أنا لا أريد طعامكم وشرابكم
فدمي هنا يا مسلمون يراق
عرضي يدنس أين شيمتكم أما
فيكم أبيٌّ قلبه خفاق

أم هل أبتسم.. برؤية جثث القتلى.. أو بقر بطون الحوامل؟!.. أم بقطع رؤوس الأطفال.. أو سلخ جلود الرجال؟!!..
دماء المسلمين بكل أرض
تراق رخيصة وتضيع هدرا
وبالعصبية العمياء تعدو
ذئاب ما رعت لله قدرا
كأن لملة الكفار طرا
على الإسلام حيث أضاء ثأرا
وجرأهم علينا أن رأونا
سكوتاً والشعوب تموت قهرا

أم هل أبتسم.. بتفرق أمتي.. أو اغتصاب أرضي؟!.. أم بتعذيب أخوتي.. وتدمير بيتي؟!.. أم بهدم مسجدي.. وتمزيق مصحفي؟!!..
ودخيل غاشم مستعمر
طالما عربد فيها واعتدى
وتمادى ناهباً مغتصباً
ثم يعدوها أديماً أجردا
غارساً فيها صليباً حاقداً
أو شعاراً بلشفياً ملحدا

وهل أسعد.. بانتهاك حرمات الله؟!.. أم بعملقة الباطل وتقزم الحق؟!.. أم بتبجح الأنذال وعربدة الأشرار؟!..
عظم الخطب ولم نرفع له
راية تغزو العدا أو علما

أم هل أفرح.. بضياع الأبناء؟!.. أم بإهمال الآباء؟!.. أم بخراب الدار؟!.. أم بالفساد والعار؟!..
ويحها كم ظالم مستهتر
ورثت منه المصير الأنكدا
لا يبالي ما تعاني بينما
يجتبي العيش رخياً رغدا

أم هل أضحك.. بمصارع الموتى؟!.. أم بتكالب الناس على الدنيا؟!..
نعيب زماننا والعيب فينا
وما لزماننا عيب سوانا
وقد نهجو الزمان بغير جرم
ولو نطق الزمان بنا هجانا
فدنيانا التصنع والترائي
ونحن بها نخادع من يرانا
وليس الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا

أما التفاؤل.. يا زوجتي الغالية.. فهي كلمة جميلة.. سهلة في النطق.. لكن قد لا يعرف الكثير من الناس ما المقصود من معناها؟!.. أو ما مغزاها؟!.. وعلى ماذا تطلق؟!..
أعلل بالمنى نفسي طويلاً
وأنسج من خيوط النور بشرى
ألفُّ بها الهموم إذا استقرت
فتكتبني بلون الجرح شعرا

فليس التفاؤل.. إذا رأيتِ الرعاع من البشر.. يعيثون في الأرض فساداً.. وينتهكون الحرمات.. ويتبجحون بكل ما يفعلون من منكرات.. تعتقدين بأن الزمن سوف يصلحهم.. ويقوم اعوجاجهم..
آه يا مسلمون! متم قروناً
والمحاق الأعمى يليه محاق
أي شيء في عالم الناس أنتم
آدميون أم نعاج تساق؟
نحن لحم للوحش والطير منا الـ
ـجثث الحمر والدم الدفاق
قد هوينا لما نسينا "أعدوا"
"وأعدوا" من الردى ترياق
واقتلعنا الإيمان فاسودت الدنـ
ـيا علينا واسودت الأعماق
وإذا الجذر مات في باطن الأر
ض تموت الأغصان والأوراق

ولا عندما ترين طاغية يطغى في الأرض.. يهلك الحرث والنسل.. ويسيم العباد أنواعاً شتى من العذاب.. تظنين بأن الدهر سوف يهديه.. أو يصلح باله.. ويتغير حاله.. ويستقيم وضعه..
طغاة الحكم بالتعذيب قاموا
على رهط من الأبرار فينا
فطوراً مزقوا الأجسام منا
وطوراً بالسياط معذبينا
وطوراً يقتلون الحر جهراً
لينطق ما يروق الظالمينا

ولا عندما ترين متكبراً يطأ رؤوس الناس.. تكبراً وغروراً.. وتيهاً وضلالاً.. وكبراً وعجباً.. تظنين بأن الحيـاة سوف تعلمه.. وأن الدنيـا سوف تصلحه..
نهارك يا مغرور سهو وغفلة
وليلك نوم والردى لك لازم
يغرك ما يفنى وتفرح بالمنى
كما غر باللذات في النوم حالم
وشغلك فيما سوف تكره غبة
كذلك في الدنيا تعيش البهائم

ولا عندما ترين منتهكاً لحرمات الله.. مجاهراً بفحشه آناء الليل وأطراف النهار.. ومتبجحاً بكل فاحشة ورذيلة.. تظنين بأن الدهر سوف يقومه.. ويصلح ما فسد..
يا أمة هبط الزمان بمجدها
ذلاً وكانت في المقام الأعظم
لا عز إلا بالكتاب يقودنا
أكرم بأحسن قائد ومعلم

ولا عندما ترين ذهاب العقول.. إثر مشروب الكحول.. وضياع كثير من المال.. وترنح أشباه الرجال.. في الطرقات حفاة عراة.. تظنين بأن المجتمع سوف يرجعه إلى جادة الصواب.. أو يعيده إلى طريق الحق..
الخمر مذهبة الوقار
ومجال مضيعة العقار
كم موسر نقلته من
عز إلى ذل افتقار
كم سالم فقدته أي
كسرت له عظم الفقار
كم من عظيم أسلمته
إلى الصغار والاحتقار
كم عصمة وصمت وكم
شرف أضاعت في شنار
كم ثوب عرض لم يكن
أبداً يباع ولا يعار
نادت عليه لبيعه
بيع الكساد بسوق عار

ولكن.. سأقول لكِ يا زوجتي العزيزة.. متى تبتسمين؟! ومتى تتفاءلين؟!.. ومتى تستبشرين؟!.. ومتى يكون الفرج قريب؟!..
إذا اشتملت على اليأس القلوب
وضاق بما به الصدر الرحيب
وأوطنت المكاره واطمأنت
وأرست في أماكنها الخطوب
ولم تر لانكشاف الضر نفعاً
وما أجدى بحيلته الأريب
أتاك على قنوط منك غوث
يمن به اللطيف المستجيب
وكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها فرج قريب

فعندما تري أطفالاً في عمر الزهور.. أو فتية في مقتبل الشباب.. كثيرو الخطا إلى المساجد.. أو يحملون حجراً لإلقائه في وجه معتد غاشم.. دون خوف أو رهبة من الموت..
وقفت حين رأيت طفلاً شامخاً
قاماتنا من حوله تتقزم
طفل صغير غير أن شموخه
أوحى إلي بأنه لا يهرم
طفل صغير والمدافع حوله
مبهورة والغاصبون تبرموا
في كفه حجر وتحت حذائه
حجر ووجه عدوه متورم
من أنت يا هذا؟ أعدت تساؤلي
والطفل يرمقني ولا يتكلم
من أنت يا هذا؟ ودحرج نظرة
نحوي لها معنى وراح يتمتم
أنا من ربوع القدس طفل فارس
أنا مؤمن بمبادئي أنا مسلم
لغة البطولة من خصائص أمتي
عنا رواها الآخرون وترجموا

هنا يجب عليك أن تبتسمي وتتفاءلي؟!!.. لأنكِ في تلك الحالة ستعلمين.. بأن زمن الرعاع قد زال.. وزمن الحمقى قد ولى.. وزمن الجبناء قد غرب.. وزمن الجهال قد ذهب.. وزمن الطغاة قد انتهى.. وزمن الجبابرة قد مضى.. وزمن الأنذال قد أنصرم.. وزمن الفساق قد انقضى.. وأتى زمن العمالقة.. وإن كانوا في الجسم صغارا.. فهم كبار هذه الأمة.. في زمن الأقزام.. وعلى أيديهم تحرر الأرض.. وتطهر من دنس الأصنام؟!!! ولسان حالهم يقول :
لا تخـش يـا أبتــي علـيَّ فربمـا
قامـت على عـزم الصغيـر بــلاد
دعنـا نسافــر فـي دروب إبائنـا
ولنـا من الهـــمم العظيمــة زاد
ميعادنــا النصـر المبيـن فإن يكن
مـــوت فعنــد إلهنــا الميعـاد
دعنــا نمــت حتى ننـال شهـادة
فالمـوت في درب الهـدى ميــلاد

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق