الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( سدنة الأصنام؟!!)

كنا في غابر الزمن.. نقدس مجموعة من الأصنام.. ونعتقد في قرارة أنفسنا أنها تنفع وتضر.. وبيدها الأمر وإليها المرجع.. بعد أن أوهمنا سدنتها بذلك.. وأنها تقربنا إلى الله زلفى.. فنتقرب إليها بالقرابين.. ونذبح لها الأضاحي.. ونفديها بأرواحنا.. ونضحي بالغالي والنفيس حتى ترضى.. ونحاول قدر المستطاع.. أن لا نعكر صفو جوها.. ولا نكدر بالها.. بما نعانيه من مشقات الحياة.. أو ما نكابده من مصائب الزمن.. وتشتت الأفكار.. وتبلد العقول.. والتيه والضلال.. والفقر والجهل.. بسبب إتباعنا هذا الفكر السقيم.. وهذا المنهج العقيم.. وهذا المعتقد المتهالك.. وهذا المسلك الخاطئ.. فنرضخ لرأيها وإن كان فيه هلاكنا.. ونتبع أوامرها وإن كان فيه فناؤنا.. ونسلك طريقها وإن كان فيه نهايتنا.. حتى إنك في وجودها لا تسمع إلا همساً.. ولا تتكلم إلا مدحاً وتبجيلاً.. أو تعظيماً وتفخيماً.. فلا اعتراض ولا استفسار.. أو تلميح بحجة الفهم.. أو تصحيح لخطأ ما.. لأنه لك الويل ثم الويل.. فقد تعديت المنطقة الحمراء.. ويستوجب على إثر ذلك العقاب والجزاء.. وصيرت إلى طريق أهل الشقاء.. وأصابك من البؤس ما أصاب أهل البلاء.. ونبذت من التبرك بتلك الأصنام البلهاء..التي اقتنع بها العبطاء.. وصدقها كثير من الجهلاء.. وآمن بها البسطاء.. وبعد برهة ستصبح إلى زوال.. ومنبوذ من أهل الأوثان.. وحلت في دارك المصائب والوبال.. ونسجت حولك مؤامرة الخيانة العظمى.. أو انتهاك الذات.. بعد أن مسخت العقول.. وتعفنت الفطر.. وتبلدت الضمائر.. وتحجرت القلوب.. وانطمست البصائر..
أمتي كم صنم مجدته
لم يكن يحمل طهر الصنم

وكان قبل ذلك.. قد صور لنا سدنتها.. والمرابطون في خدمتها.. والمنافحون عن منهجها.. أن تقديسنا هذا.. يعتبر اعترافاً منا بفضلها.. واستكانة منا لقوتها.. وطاعة منا لولي نعمتنا.. وكنا بهذا في ضلال مبين.. ضلال في الفكر.. وضلال في المعتقد.. وضلال في المنهج.. وضلال في السلوك.. ولهذا اعوج فكرنا.. وانطمس ذكرنا.. ودرس رسمنا.. وتميع منهجنا.. وتشتت جهودنا.. وذابت شخصيتنا.. وتهنا في غياهب الحياة.. نرتشف منها علقم التيه والضلال.. ونكابد مرارة الحزن وغصات الألم.. ونبكي دماً.. ويعتصرنا الهم.. ويمزقنا الغم..
سقطت كل الشعارات التي
روجوها وهي أحلام عقام
ما جنينا غير أشواك الردى
ودهانا البؤس فيها والسقام
أينما وجهت عيناً قرحت
جفنها أطياف ذل وانهزام
ونكوص عن هدايات السما
وصراعات وخلف وانقسام
عبثاً تسفك أنهار الدما
عبثاً يرتكب الموت الزؤام
وإذا ما قام يدعو مصلح
ذاده بغي وآذاه اتهام

ولكننا لم نستكن لهذا الأمر.. ولم نيأس من هذا الواقع.. ولم نقنط من هذا الوضع.. فتهنا في الأرض نبحث عن النجاة أو المنقذ.. ونفتش عن السبيل أو المخرج.. مما نحن فيه.. حيث كان لا يزال بنا رمق من الحياة.. ونبض من الإيمان.. وبقية من الفطرة.. لم تعصف بها الرياح..ولم تمزقها الأعاصير.. ولم تسيطر عليها تلكم الأصنام.. أو يصادرها سدنتها.. ولم يتعقبها حراسها.. أو يغتالها الموالون لها.. أو المنافحون عن منهجها..
عبد الحجارة من سفاهة عقله
وعبدت رب محمد بصواب

فتوالت الأيام.. وتعاقبت الشهور.. وكأنها في نظرنا دهور.. ومرت السنوات كأنها قرون.. ونحن ما زلنا نبحث عن الحقيقة.. ونلتمس الطريقة..
ومضت بنا الأيام ليل حالك
يسطو وفجر ضاحك يتجهم
ومضت بنا الأيام بيت رذيلة
يبنى وبيت فضيلة يتهدم
ومضت بنا الأيام مركب حسرة
ينجو وزورق فرحة يتحطم
ومضت بنا الأيام موكب عزمنا
متوقف وعدونا يتقدم

ورغم أنه كان يقيننا أننا سنجد بغيتنا.. ونعانق مطلبنا.. وسنرتشف من المنبع الصافي.. الذي سيملأ شغاف قلوبنا.. وسيزيل الماء الآسن الذي استمر ردحاً من الزمن.. فتبلدت به العقول.. وسيطر على مفاتيح قلوبنا.. بعد أن غلفها بغلاف التبعية.. فلا تبصر ولا تسمع ولا تتكلم.. ولم تجدده الأمطار.. ولم ينظفه أو يزيله أحد.. فطمر على تلك القلوب.. فظهرت العيوب.. وكثرت الأوجاع والأسقام.. والأوبئة والأمراض.. واكتشفنا بعد ذلك.. زيف وبهتان.. وضلال وتدليس تلكم الأصنام..
يا منزلاً لعب الزمان بأهله
فأبادهم بتفرُّق لا يجمع
إن الذين عهدتهم فيما مضى
كان الزمان بهم يضرُّ وينفع
أصبحت تفزع من رآك وطالما
كنا إليك من المخاوف نفزع
ذهب الذين يعاش في أكنافهم
وبقى الذين حياتهم لا تنفع

فقلنا في يوم من الأيام.. لبعض المتيَّمين بتلك الأصنام: { مَا تَعْبُدُونَ * قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ} (الشعراء:70ـ 71) قلنا: {هَلْ يَسْمَعُونَكُمْ إِذْ تَدْعُونَ * أَوْ يَنفَعُونَكُمْ أَوْ يَضُرُّونَ * قَالُوا بَلْ وَجَدْنَا آبَاءنَا كَذَلِكَ يَفْعَلُونَ} (الشعراء: 72ـ 74).. قلنا لهم : {أَفَرَأَيْتُم مَّا كُنتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ} (الشعراء:75ـ 76) .. فإنهم عدو لنا إلا رب العالمين..
فليس يروعني في الحق سيف
وليس يزيغني ذهب وعلق
أقول الحق لا أخشى وإني
لأبصر خلفه عنقي تدق
ولست بجازع ما دام قلبي
يردد : إن وعد الله حق

ولما علم سدنتها بفكرنا هذا.. وتنبهوا لخطورة منهجنا.. وضرر معتقدنا عليهم.. وعلموا أنه من المحال استمالتنا بالمال أو المنصب.. أو بالهدايا والترغيب.. وتيقنوا أنه من الصعوبة الرجوع عن معتقدنا بالتهديد أو الترهيب.. أعلنوا النفير.. وأطلقوا بأبواقهم التحذير.. وأرسلوا في المدائن حاشرين.. {إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ * وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ * وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ }(الشعراء: 54ـ56 )..
فقل للعيون الرمد للشمس أعين
تراها بحق في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفأ الله نورها
بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

وقد حاكوا لنا الدسائس والمؤامرات.. ونصبوا لنا الكمائن والشراك.. ووضعوا في طريقنا المطبات والأشواك.. واستقطبوا في صفهم البسطاء.. ولعبوا على عقول الضعفاء.. وسار في طريقهم الحمقى.. وسلك مسلكهم الخبثاء.. وفرح بذلك السفهاء.. ظناً منهم أنهم بهذا.. يعيقون طريقنا.. ويفسدون علينا ديننا..
إلهي قد غدوت هنا سجينا
لأني أنشد الإسلام دينا
وحولي إخوة بالحق نادوا
أراهم بالقيود مكبلينا
طغاة الحكم بالتعذيب قاموا
على رهط من الأبرار فينا
فطوراً مزقوا الأجسام منا
وطوراً بالسياط معذبينا
وطوراً يقتلون الحر جهراً
لينطق ما يروق الظالمينا
وقد لاقى الشهادة يا رفاقي
رجال لا يهابون المنونا
فمهلاً يا طغاة الحكم مهلاً
فطعم السوط أحلى ما لقينا
سمية لا تبالي حين تلقى
عذاب النكر يوماً أو تلينا
وتأبى أن تردد ما أرادوا
فكانت في عداد الصالحينا
سنبذل روحنا في كل وقت
لرفع الحق خفاقاً مبينا
فإن عشنا فقد عشنا لحق
ندك به عروش المجرمينا
وإن متنا ففي جنات عدن
لنقي إخوة في السابقينا

ولكن هيهات ما تمنوا.. ومن المحال ما أرادوا.. {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} (الأعراف: 40).. أو يرجع اللبن إلى الضرع؟؟!
خذوا كل دنياكم واتركوا
فؤادي حراً طليقاً غريباً
فإني أعظمكم ثروة
وإن خلتموني وحيداً سليباً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق