الأحد، 13 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( حذار من الخديعة!!)


أخوتي في الله.. كما تعلمون.. أن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة والنار.. وأمر عباده بامتثال أوامره.. والعمل على طاعته.. واجتناب نواهيه.. والعمل على عدم عصيانه.. لهذا فقد أعد الجنة للطائعين.. وأعد النار للعاصين.. ولكن وللأسف الشديد.. كثير من الناس.. يتناسون هذا الأمر.. فيطلقون لهواهم العنان.. وينغمسون في الحرام.. ويتناسون هادم الذات.. ومفرق الجماعات..
لحى الله صعلوكاً مناه وهمه
من العيش أن يلقى لبوساً ومطعماً
يرى الخمص تعذيباً وإن يلق شبعة
يبت قلبه من قلة الهم مبهماً

وإذا ذهبت لتنصح أحدهم.. بالكف عن عمله المحرم.. واجتناب هذا المنكر.. قال لك وبكل استعباط : إن فلان الفلاني.. " المطوع"!!.. يفعل ذلك.. ويعمل به.. فلو كان فيه حرمه ما فعله!!..
وإذا ذهبت لتأمر أحدهم.. بإتباع سنة من السنن.. أو فعل واجب قد تركه.. أو فرض قد أهمله.. قال لك أيضاً: إن فلان الفلاني لا يفعل ذلك.. فما الداعي أن أفعله أنا؟!!.. وهو أعلم مني!!..
وإذا أخطأ أحد من الذين على ظاهرهم الصلاح.. قامت الدنيا ولم تقعد.. وقالوا : "المطاوعة فعلوا".. "والمطاوعة عملوا".. "والمطاوعة ارتكبوا".. والمطاوعة تركوا".. وكأن كل المستقيمين قد فعلوا هذا المنكر!!.. أو عملوا ذلك الخطأ!!.. أو ارتكبوا ذلك الإثم!!.. أو تركوا ذلك الواجب؟!!..
لا تخدعنك اللحاء والصور
تسعة أعشار من ترى بقر
في شجر السدر منهم مثل
لها رواء ومالها ثمر

أما إذا نظرت في المقابل.. فإنك ترى.. إذا عربد الأشرار في البلاد.. وعاثوا فيها الفساد.. وهتكوا الحرمات.. وفجروا.. ونهبوا.. وارتكبوا الفواحش والموبقات.. فلا حس ولا خبر!!.. وكأنه لا يوجد في البلد بشر..
لم يبق من جل هذا الناس باقية
ينالها الوهم إلا هذه الصور

وهنا سؤل يطرح نفسه.. هل من المعقول.. أن نحاسب مجموعة من الناس.. على خطأ ارتكبه فرد.. لا يعبأ بالأنظمة.. ولا يتقيد بالقوانين.. ولا يبالي بالمسؤولية.. ومن المثال يتضح المقال.. إذا أخطأ سائق سيارة.. وخالف قوانين السير.. فهل على إثر ذلك.. ينسب هذا الخطأ.. إلى جماعته.. أو أهل قريته.. أو أهل مدينته؟!.. أم أنه ينسب إليه ويحاسب عليه؟!!.. وهل يتم مخالفة جميع من في البلد؟!.. أو كل من يحمل رخصة قيادة.. وتصادر سياراتهم.. بسبب أثم لم يرتكبوه.. وفعل لم يقترفوه؟!!..
حتى متى لا نرى عدلاً نسرُّ به
ولا نرى لولاة الحقِّ أعوانا
مستمسكين بحقٍّ قائمين به
إذا تلوَّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له
وقائد ذي عمى يقتاد عميانا

فالعاقل والمنصف.. سيقولا إن في هذا العمل إجحاف في حقهم.. وفيه ظلم وغير أنصاف.. فالبريء لا يعاقب بفعل الجاني.. وإن كانت تربطه بالجاني صلة قرابة أو نسب.. لأنه لا تزر وازرة وزر أخرى.. والإنسان غير مكلف بتحمل أخطاء وحماقات الآخرين.. ولو كانوا أقرب الناس إليه.. هذا ما سيقوله العقلاء والمنصفين..
يطيـب العيـش أن تلقـى حكيمـاً
غــذاه العلـم والفـهم المصيـب
فيكشـف عنـك حيـرة كل جهـل
وفضـل العلـم يعرفــه اللبيـب
سقـام الحـرص ليـس لـه شفـاء
وداء الجهـل ليـس لـه طبيـب

ولكن ماذا يقول الناس.. عندما يرون رجلاً في ظاهره الصلاح والتقوى.. وينم باطنه عن الفجور والبغي والفسوق.. قد ارتكب بعض المخالفات الشرعية.. والتي لا تنم عن هذه الاستقامة.. إنما  {يُخَادِعُونَ اللّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ } (البقرة :9) .. إن أول ما يفعله الناس في هذا الصدد.. هو أنهم لا ينسبون ذلك العمل الشائن إليه وحده!!.. وإنما ينسبون هذا العمل إلى كل من يمت بصلة إلى الدين.. وإلى كل من التزم به منهجاً وحياة.. وعملاً وتطبيقاً.. وقولاً وفعلاً..
وزن الكلام إذا نطقت فإنما
يبدي عقول ذوي العقول المنطق
لو يرزق العقلاء حسب عقولهم
ألفيت أكثر من ترى يتصدق

فهل عملهم هذا فيه شيء من الإنصاف؟!! وهل فيه شيء من العدل؟!! أو فيه شيء من الواقعية!!.. وهل هذا الفعل يفعله العقلاء؟!!.. أو يستسيغه النبهاء!!.. ليس كل من التزم بالمظهر الإسلامي وادعاه.. يعد من أهل الصلاح والتقوى..
عجبت لمبتاع الضلالة بالهدى
وللمشتري دنياه بالدين أعجب
وأعجب من هذين من باع دينه
بدنيا سواه فهو من ذين أخيب

وأقرب مثال ما كان حاصلاً في زمن الرسول صلوات ربي وسلامه عليه .. في قصة المنافقين والمنافقات.. الذين أظهروا الإيمان.. وأبطنوا الفجور والفسق والعصيان.. خير دليل لمن أراد الإنصاف.. فقد يكون هذا الشخص له غرض من هذا التنكر.. ذلك لأنهم  {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللّهُ مَرَضاً } (البقرة : 10) ..
لايغرنك من المـ
ـرء إزاره رقعه
وقميص فوق كعب
الساق منه رفعه
وجبين لاح فيه
أثر قد خلعه
أره الدرهم تعرف
غيه أم ورعه

إما أن يكون غرضاً دنيوياً.. أو يكون غرضه إساءة للإسلام والمسلمين.. حتى يبتعد الجهلة.. ومحدودي الثقافة الدينية.. عن التقيد بالإسلام.. خوفاً من كلام الناس.. أو خوفاً من غمزهم ولمزهم..
كل العداوات قد ترجى إقالتها
إلا عداوة من عاداك من حسد
فإن في القلب منها عقدة عقدت
وليس يفتحها راق إلى الأبد
إلا الإله فإن يرحم يحللها
وإن أباه فلا ترجوه من أحد

ولكني أقول لأمثال هؤلاء أنه :
لا يضر البحر أمسى زاخراً
أن رمى فيه غلام بحجر

وفي الختام ألفت انتباه هؤلاء القوم بهذه الأبيات العظيمة علها توقظهم من سباتهم.. وتعيدهم إلى رشدهم.. فهذه الأبيات تبين حقيقة هذه الحياة التي يبيعون آخرتهم لينالوا حظوة من دنياهم :
يا طالب الدنيا الدنية إنها
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكت غداً تباً لها من دار
دع الفؤاد من الدنيا وزخرفها
فصفوها كدر والوصل هجران
وأوع سمعك أمثالاً أفصلها
كما يفصَّل ياقوت ومرجان
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته
أتطلب الربح مما فيه خسران
أقبل على النفس واستكمل فضائلها
فأنت بالنفس لابالجسم إنسان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق