الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( عندما تتغير المفاهيم فواخراب الدار؟!!)

هناك من الأمور.. في هذه الحياة.. تحير العقلاء.. ويستغرب منها الحكماء.. ويبكي عليها الفضـلاء.. ويغتـم منها النبلاء.. ولا يرضاها العظماء.. ويحاربها الخطباء.. أمور تحدث في هذه الحياة الفانية.. يخترعها السفهاء والحقراء.. ويستسيغها البؤساء والجهلاء.. ويعمل بها البلساء والخبثاء.. وتحت مرأى ومسمع البسطاء.. فإذا تصفح الإنسان الجريدة.. أو قرأ إحدى المجلات.. أو فتح على المذياع.. أو شاهد التلفاز.. أو اطلع على الإنترنت.. ليجد أن هناك مفاهيم قد تبدلت.. وقيماً قد تبخرت.. وأخلاقاً قد تميعت..
وليس بعامر بنيان قوم
إذا أخلاقهم كانت خرابا
فلا أدري.. هل هي مقصودة من أصحابها.. لتدمير هذا الدين.. واللعب على السذج والبسطاء من هذا المجتمع؟!.. أم أنه الجهل التام بالدين أدى إلى الفهم الخاطئ له؟!.. ومثال على ذلك..
إذا نجح فلم هابط.. أو مسرحية مائعة.. أو أغنية ماجنة.. ورفع الممثل أو المطرب إلى القُمة.. فصرح هناك في نشوة الفوز.. ولذة النصر.. أن السبب الأول في نجاحه.. يعود إلى توفيق الله له.. فلولا الله لم ير النور فلمه.. ولم يشاهد الجمهور بطله.. فله الفضل والمنة.. ودعا الله أن يوفقه في الأفلام القادمة.. لنصرة الفن.. وتثقيف الناس؟!.. فهذا يعتبر عملاً وجهاداً!!.. لتبليغ الكلمة.. حتى يطلع عليها الأجانب والمثقفين من الدول الأخرى.. فيتحققوا بأننا أمة متقدمة ومتطورة!!.. ولها باع طويل في هذا المجال.. لا أمة متخلفة معقدة.. تختفي نساؤهم وراء البرقع والحجاب!!.. فالفن.. يعتبر رسالة.. وأنبل رسالة عرفها التأريخ.. وبالأخص التأريخ الحديث.. ويجب أن نؤديها على أكمل وجه.. وأرقى مستوى.. إلى آخر ما قاله من وقاحة وقلة حياء.. وإلى آخر ما نفثه من سموم وجراثيم.. وإلى آخر ما هذى به من أباطيل وأضاليل.. فما سبب تغير المفاهيم؟!
إذا لم تبك من هذي الرزايا
ولم تفجعك قاضية القضايا
فمت كمداً فما في العيش خير
إذا جمع البرايا كالمطايا

إذا انتهت بغي من بغيها.. وخلصت من مجونها.. وانتهت من عربدتها.. وقامت واغتسلت من فجورها.. وذهبت إلى محرابها.. لتعبد هناك ربها.. فيما بقى من ليلها.. فلا أدري.. هل هي عبادة شكر بعد إتمام مهمتها بنجاح؟!.. أم أنه الدعاء لزيادة الأرباح في اليوم التالي؟!.. فما سبب تغير المفاهيم؟!..
فيا موت زر إن الحياة ذميمة
ويا نفس جدِّي إن دهرك هازل

إذا انتهى رجل من اغتصاب أرض.. أو انتهاك عرض.. أو سرقة مال.. توضأ وذهب إلى المسجد.. شاكراً ربه.. بانتهاء مهمته.. طالباً المزيد.. وسائله العون والتأييد.. على هؤلاء العبيد؟!.. فما سبب تغير المفاهيم؟!..
أيا شاباً لرب العرش عاصي
أتدري ما جزاء ذوي المعاصي
سعير للعصاة لها زفير
وغيظ يوم يؤخذ بالنواصي
فإن تصبر على النيران فاعصه
وإلا كن عن العصيان قاصي
وفيما قد كسبت من الخطايا
رهنت النفس فاجهد بالخلاص

إذا سئل مطرب أو مطربه.. عن سر نجاحه.. وزيادة أرباحه.. وما وصفة فلاحه.. وما سبب أن الناس منه مرتاحة.. وما سبب تربعه على الساحة.. أجاب بكل وقاحة.. هذا من فضل ربي؟!.. فما سبب تغير المفاهيم؟!..
كذا فليجل وليفدح الأمر
فليس لعين لم يفض ماؤها عذر

قد سئلت يوماً ما راقصة.. عن حكم الرقص والاستعراض.. فأجابت وبكل وقاحة بما يدعو إلى الاستغراب.. بأنه عمل مثل أي عمل في الحياة.. كعمل الطبيب أو المهندس.. فأنا أعمل ولي الأجر بإذن الله.. فالله ورسول قد حضنا على العمل!!.. وأمرنا به.. وعملي ليس فيه حرام؟!!!.. وليس فيه أي تفسخ أو تهتك؟!!!.. وإني بعد انتهائي من عملي هذا.. وفراغي من عرض فقرتي.. وانتهائي من أداء استعراضي.. أذهب إلى غرفتي.. وأغلق باب صومعتي.. فأؤدي واجبات ربي.. فأصلي وأقرأ القرآن.. وأعبد ربي باقي الليل حتى طلوع النهار؟!..
لمثل هذا يذوب القلب من كمد
إن كان في القلب إسلام وإيمان

فلا أدري عن باقي يومها.. فلم تخبرنا فضيلتها عن ذلك حتى يقتدي بها الجيل!!.. ويسلك خطاها الشباب الحائرون.. ولا أدري أيضاً كيفية العبادة التي تعبدها؟!!.. إن كانت من الصادقين!!.. وهل يكون هناك بقايا لليل؟!.. أو هل هناك عقل بعد أداء الاستعراض؟!.. وهل بروز مفاتنها أمام الناس يسمى عملاً شريفاً!!.. وتؤجر عليه فاعلته؟!.. وما هذا التخبط والخلط بين الخير والشر.. وبين الصالح والطالح؟!.. أهي سذاجة في الفهم؟!.. أم عباطة في الاستيعاب؟!..
وإذا النساء نشأن في أمية
رضع الرجال جهالة وخمولا

وهل هذا المجون والتهتك.. والتعري والتفسخ.. يقارن بالعمل الشريف الذي يقوم به الطبيب في عيادته؟!.. أو المهندس في موقع عمله؟!.. وما المردود الإيجابي في عملها هذا.. وما الفائدة المرجوة منه.. سوى أنها تضم بين جنبيها مجموعة من السكارى والعرابيد.. وقليلي الحياء والدين.. والقيم والأخلاق.. والعفة والفضيلة.. ومن أخبرها أن عملها هذا حلال!!.. أم أصبحت الراقصات مفتيات هذا العصر!!.. فتحلل وتحرم ما شاءت!!.. فقد وصلت من العلم ما يؤهلها بأن تقف في موقع الإفتاء!!.. وتصدر الأحكام متى تشاء.. فما سبب تغير المفاهيم؟!..
إذا ما الجهل خيم في بلاد
رأيت أسودها مسخت قروداً

فكما ترى أخي القارئ.. هذا هو حال أمتنا.. وهذا هو الفكر السائد.. وهذه هي الأفكار التي تنتشر بين شبابنا.. جهل في الدين والمعتقد.. تميع في الأفكار.. تفسخ من القيم والأخلاق.. تهتك في السلوك واللباس.. خواء من التربية..
يا ناظراً يرنو بعيني راقد
ومشاهداً للأمر غير مشاهد
منَّيت نفسك ضلَّة وأبحتها
طرق الرجاء وهن غير قواصد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
درك الجنان بها وفوز العابد
ونسيت أن الله أخرج آدماً
منها إلى الدنيا بذنب واحد

ولقد ذكرت لكم هذه الأمثلة للتوضيح فقط.. ولو ذكرت بقية الأمثلة.. لطال بنا المقال.. ولتشعب بنا الحديث..
عجبت والدهر لا تفنى عجائبه
للراكنين إلى الدنيا وقد صدقوا
وطال ما نغصوا بالفجع ضاحية
وطال بالفجع والتنغيص ما طرقوا
دار تغر بها الآمال مهلكة
وذو التجارب فيها خائف فرق
يا للرجال لمخدوع بزخرفها
بعد البيان ومغرور بها يثق
أقول والنفس تدعوني لباطلها
أين الملوك ملوك الناس والسوق
أين الذين إلى لذاتها ركنوا
قد كان فيها لهم عيش ومرتفق
أمست مساكنهم قفراً معطلة
كأنهم لم يكونوا قبلها خلقوا
يا أهل لذات دار لا بقاء لها
إن اغتراراً بظل زايل حمق

ولكني اكتفيت بهذا القدر.. فقد أحسست بالألم والحزن.. وشعرت بالضيق والهم.. ولكني في نهاية الأمر أقول : فواخراب الدار من عربدة الأشرار في بيوت الأخيار؟!!..
البيت لا يبتني إلا له عمد
ولا عماد إذا لم ترس أوتاد
فإن تجمع أوتاد وأعمدة
وساكن بلغوا الأمر الذي كادوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
تهدي الأمور بأهل الرأي ما صلحت
فإن تولت فبالأشرار تنقاد
إذا تولى سراة القوم أمرهم
نما على ذاك أمر القوم فازدادوا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق