الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( الأم بين بر الإسلام وعقوق الأبناء)

تقوم بعض الدول المتحضرة.. في كل عام.. بتكريم الأمهات.. وقد خصصت يوماً لذلك.. يسمى بعيد الأم.. والإسلام قد سبق تلك الحضارات بتكريمها.. منذ أربعة عشر قرناً.. فالإسلام قد رفع من شأن الأم.. وحث الأبناء على إكرامها.. والعناية بشأنها.. وحسن رعايتها.. ولقد عنى القرآن الكريم.. بالأم عناية خاصة.. لأنها تحملت.. آلام الحمل.. والولادة.. والرضاعة.. ولأن الأم.. أكثر حناناً.. ورقة.. وشفقة.. وهي صانعة الأجيال.. وهي التي ترعى الوليد حتى يشب.. وتكفله بأنواع الرعاية الصحية والنفسية.. يقول سبحانه وتعالى : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان:14)..
أطع الإله كما أمر
وأملأ فؤادك بالحذر
وأطع أباك فإنه
ربَّاك من عهد الصغر
واخضع لأمك وأرضها
فعقوقها إحدى الكبر

وكانت وصايا النبي صلوات ربي وسلامه عليه بالأم متكررة.. تحث على رعايتها وإكرامها.. وإطاعة أمرها.. خاصة في حالة الكبر والضعف.. سأل رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم .. من أحق الناس بحسن صحابتي؟ فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أبوك>> (صحيح البخاري[5626] ج5 ص2227)..
قالوا حياتك نور قلت يرسله
قلب كبير يشع النور مذ كانا
قالوا حياتك حب قلت واهبه
من هدهد القلب إشراقاً ووجدانا
قالوا حياتك عطر قلت مصدره
من أنبتت في حنايا القلب ريحانا
قالوا حياتك بر قلت صانعه
صدر كبير غدا للبر عنوانا
قالوا حياتك لحن قلت تعزفه
قمرية ملأت جنبي ألحانا
قالوا حياتك نبع قلت فجره
من فاض من موطن الإيمان إيمانا
قالوا فمن تلك في دنياك تملأها
عطراً ونوراً وإلهاماً وإحسانا
فقلت أمي التي هامت بها كبدي
في برها أنزل الرحمن قرآنا
لولا حنانك أمي من يعلمنا
حباً ويملأ بالتحنان دنيانا
أنت التي كابدت في حملنا زمناً
وأرضعتنا لبان الخير ألوانا
جزاك ربك يا أماه مغفرة
وجنة الخلد تكريماً ورضوانا

فيجب على الابن.. أن يحرص على رضا والديه.. لأن رضا الوالدين.. سعادة في العاجل والآجل.. وليحذر من غضبهم.. لأن غضب الوالدين.. شقاء في الدنيا.. ووبال في الآخرة.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم << رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد >>(موارد الظمآن [2026] ج1 ص496).. وقوله :<< رضى الرب في رضى الوالد وسخط الرب في سخط الوالد>> (الترمذي [1899] ج4 ص310) وقال عليه الصلاة والسلام : << بروا آباءكم تبركم أبناؤكم وعفوا تعف نساؤكم>> (مجمع الزوائد ج8 ص138) ..
ربيته وهو فرخ لا نهوض له
ولا شكير ولا ريش يواريه
حتى إذا ارتاش واشتدت قوادمه
وقد رأى أنه آنت خوافيه
مدَّ الجناحين مداً ثم هزَّهما
وطار عني فقلبي فيه ما فيه
وقد تيقَّنت أني لو بكيت دماً
لم يرث لي فهو فظُّ القلب قاسيه

ومن قصص البر العظيمة التي قرأتها.. القصة التي وردت عن سيدنا موسى عليه السلام.. عندما سأل ربه أن يريه رفيقه في الجنة.. وفيما هو يسير نحو غايته.. تلقاه شاب فسلم عليه.. فقال له موسى عليه السلام : يا عبدالله أنا ضيفك الليلة.. فقال الشاب : يا هذا.. إن رضيت بما عندي.. أنزلتك وأكرمتك.. فقال عليه السلام : قد رضيت.. وكان الشاب جزاراً.. فأخذ بيد موسى ومضى به إلى حانوته.. وأجلسه حتى فرغ بيعه.. وكان الشاب.. لا يمر بشحم ولا مخ إلا عزله.. فلما كان وقت الانصراف.. أخذ بيد موسى وانطلق به إلى منزله.. وطبخ الشاب المخ والشحم.. وتقدم نحو قفة فيها شيخ كبير فد.. سقط حاجباه على عينيه من الكبر.. وأخرجه من القفة.. وغسل وجهه وثيابه.. وجففها ثم ألبسه إياها.. وعمد إلى خبز ففته.. وصب عليه الشحم والمخ.. وأطعمه حتى شبع.. وسقاه حتى روى.. ثم رده إلى مكانه.. فقال له الشيخ: لا خيب الله لك سعياً يا ولدي.. وجعل ابن عمران رفيقك في الجنة.. وفعل بقفة ثانية.. ما فعل بالأولى.. وكان فيها أمه.. فبكى موسى عليه السلام.. رحمة بهما.. ثم قدم له الشاب طعاماً.. فقال : يا أخي.. ما أنا في حاجة إلى طعامك.. ولكني سألت الله أن يريني رفيقي في الجنة.. فقال له الشاب : من أنت يرحمك الله؟!.. فقال : أنا نبي الله موسى.. فخر الشاب مغشياً عليه.. ولما أفاق.. دخل على والديه.. وأخبرهما أن الله قد استجاب دعاءهما.. وأن هذا الضيف هو نبي الله موسى عليه السلام.. قد أخبر بذلك عن رب العالمين..
لأمـك حـق لـو علمـت كبيـر
كثيـرك يـا هـذا لديـه يسيـر
فكـم ليلة باتـت بثقـلك تشتكـي
لهـا مـن جواهـا أنـة وزفيـر
وفي الوضع لو تدري عليها مشقة
فمـن غصص منها الفؤاد يطيـر
وكم غسلـت عنك الأذى بيمينـها
وما حجرهـا إلا لديـك سريـر
وتفديـك ممـا تشتكيـه بنفسـها
ومن ثديـها شـرب لديك نميـر
وكم مرة جاعت وأعطتك قوتـها
حنــواً وإشفاقـاً وأنت صغيـر
فآها لـذي عقل ويتبـع الهـوى
وآها لأعمى القلـب وهو بصيـر
فدونك فارغب في عميم دعائـها
فأنـت لمـا تدعـو إليـه فقيـر

وقيل أوحى الله إليه.. من لم يبر والديه.. فليس له جزاء عندي إلا النار.. فأقرب ما يتقرب به العبد إلى ربه.. بر والديه وإكرامهم والإحسان إليهما.. وقد أوصى بذلك المولى جل شأنه.. فقال :{ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (البقرة:83)، (النساء:36)، (الأنعام:151).. وقال : {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا } (الإسراء: 23).. وقال جل شأنه : { وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ } (لقمان: 14)..
يا أيها الناس فلتنجوا بأنفسكم
ولا تكونوا كمن ضلت مساعيه
عودوا إلى الله ينقذكم برحمته
من الشقاء الذي بتنا نعانيه
ولتستقوا من كتاب الله منهجكم
فليس في الأرض منهاج يدانيه
ولتدركوا هذه الدنيا بدعوتكم
حتى تطبوا لها جرحاً تقاسيه
فقد تردت وهدي الله ينقذها
وجرحها غائر والدين يشفيه

ولقد حزنت كثيراً عندما سمعت رسالة.. أرسلتها أم مكلومة بعقوق ولدها.. وإهماله لها.. وعدم اكتراثه بها.. وقد سمعتها من شريط سمعي معنون باسم " توقيع" للفاضل عبدالعزيز الأحمد .. وقد أحببت أن تشاركني أخي القارئ.. في قراءة هذه الرسالة.. والتمعن في معانيها.. فهي وكما قلت.. صادرة من أم مكلومة بعقوق ولدها.. فهذه الرسالة عندما تسمعها.. تستقر في قلبك.. وترسخ في ذهنك.. لأنه فيها المصداقية في العاطفة.. فعندما تقرأها كأنك تشاهد معاناتها على الواقع.. وتحس بآلامها.. وتشعر بحزنها.. وترى تساقط دموعها.. فهي رسالة تعبر عن معاناة حقيقية.. والآلام التي تسيطر على هذه الرسالة.. آلام ليست من خيال الكتاب.. وإنما آلام لامستها وعايشتها تلك المرأة المسكينة.. حيث هجرها ولدها وفلذة كبدها.. بعد عشرة طويلة.. دامت أكثر من خمسة وعشرين سنة.. ودون أن يكترث أو يبالي بما كابدته تلك الأم المسكينة.. في سبيل أن يصل إلى ما وصل إليه.. فأحببت أن انشر هذه الرسالة.. للعبرة والاتعاظ.. ولتعم الفائدة.. ولعلها تلاقي آذاناً صاغية.. وقلوباً واعية.. من كل عاق لوالديه.. فيتوب إلى الله.. ويثوب إلى رشده.. ويتنبه من زلته وخطأه..
فكم ولد للوالدين مضيع
يجازيهما بخلاً بما نحلاه
طوى عنهما القوت الزهيد نفاسة
وجراه سارا الحزن وارتحلاه
ولامهما عن فرط حبهما له
وفي بغضه إياهما عذلاه
أساء فلم يعدلهما بشراكه
وكانا بأنوار الدجى عدلاه
يعيرهما طرفاً من الغيظ شافنا
كأنهما فيما مضى تبلاه
نيام إذا ما أدنفا وإذا سرى
له الشكوبات الغمض ما اكتحلاه
إن ادعيا في وده الجهد صدقا
وما اتهما فيه فينتحلاه
يغشهما في الأمر هان وطالما
أفاءا عليه النصح وانتحلاه

تقول الرسالة:
"يا بني.. هذه رسالة مكلومة من أمك المسكينة.. كتبتها على استحياء.. بعد تردد وطول انتظار.. أمسكت بالقلم مرات.. فحجزته الدمعة.. وأوقفت الدمعة مرات.. فجرى أنين القلب..
يا بني.. بعد هذا العمر الطويل.. أراك رجلاً سوياً.. مكتمل العقل.. ومتزن العاطفة.. من حقي عليك.. أن تقرأ هذه الورقة.. وإن شئت بعدها.. فمزقها كما مزقت أطراف قلبي من قبل..
يا بني.. منذ خمسة وعشرين عاماً.. كان يوماً مشرقاً في حياتي.. عندما أخبرتني الطبيبة.. أنني حامل.. والأمهات يا بني.. يعرفن معنى هذه الكلمة جيداً.. فهي مزيج من الفرح والسرور.. وبداية معاناة مع التغيرات النفسية والجسمية.. وبعد هذه البشرى.. حملتك تسعة أشهر في بطني.. فرحة جذلى.. أقوم بصعوبة.. وأنام بصعوبة.. وآكل بصعوبة.. وأتنفس بصعوبة.. ولكن كل ذلك.. لم ينقص محبتي لك.. وفرحي بك.. بل نمت محبتك مع الأيام.. وترعرع الشوق إليك.. حملتك يا بني وهناً على وهن.. وألماً على ألم.. أفرح بحركتك.. وأسر بزيادة وزنك.. وهي حمل عليَّ ثقيل.. إنها معاناة طويلة.. أتى بعدها فجر تلك الليلة.. التي لم أنم فيها.. ولم يغمض لي فيها جفن.. ونالني من الألم والشدة.. والرهبة والخوف.. ما لا يصفه القلم.. ولا يتحدث عنه اللسان.. ورأيت بأم عيني الموت مرات عدة.. حتى خرجت إلى الدنيا.. فامتزجت دموع صراخك.. بدموع فرحي.. وزالت كل آلامي وجراحي..
يا بني.. مرت سنوات من عمرك.. وأنا أحملك في قلبي.. وأغسلك بيدي.. جعلت حجري لك فراشاً.. وصدري لك غذاء.. أسهرت ليلي لتنام.. وأتعبت نهاري لتسعد.. أمنيتي كل يوم.. أن أرى ابتسامتك وسروري في كل لحظة.. أن تطلب مني شيئاً أصنعه لك.. فتلك هي منتهى سعادتي.. ومرت الليالي والأيام.. وأنا على تلك الحال.. خادمة لم تقصر.. ومرضعة لم تتوقف.. وعاملة لم تفتر.. حتى اشتد عودك.. واستقام شبابك.. وبدت عليك معالم الرجولة.. فإذا بي أجري يميناً وشمالاً.. لأبحث لك عن المرأة التي طلبت.. وأتى موعد زفافك.. فتقطع قلبي.. وجرت مدامعي.. فرحة بحياتك الجديدة.. وحزناً على فراقك.. ومرت الساعات ثقيلة.. فإذا بك لست ابني الذي أعرفه.. لقد أنكرتني وتناسيت حقي.. تمر الأيام لا أراك.. ولا أسمع صوتك.. وتجاهلت من قامت بك خير قيام..
يا بني.. لا أطلب إلا القليل.. اجعلني في منزلة أطرف أصدقائك عندك.. وأبعدهم حظوة لديك.. اجعلني يا بني إحدى محطات حياتك الشعرية.. لأراك فيها ولو لدقائق..
يا بني.. أحدودب ظهري.. وارتعشت أطرافي.. وأنهكتني الأمراض.. وزارتني الأسقام.. لا أقوم إلا بصعوبة.. ولا أجلس إلا بمشقة.. ولا يزال قلبي ينبض بمحبتك.. لو أكرمك شخص يوماً.. لأثنيت على حسن صنيعه.. وجميل إحسانه.. وأمك أحسنت إليك إحساناً لا تراه.. ومعروفاً لا تجازيه.. لقد خدمتك وقامت بأمرك سنوات وسنوات.. فأين الجزاء والوفاء.. ألهذا الحد.. بلغت بك القسوة.. وأخذتك الأيام..
يا بني.. كلما علمت أنك سعيد في حياتك.. زاد فرحي وسروري.. ولكني أتعجب.. وأنت صنيع يدي.. أي ذنب جنيته.. حتى أصبحت عدواً لك.. لا تطيق رؤيتي.. وتتثاقل زيارتي؟!.. هل أخطأت يوماً في معاملتك؟!.. أو قصرت لحظة في خدمتك؟!.. اجعلني من سائر خدمك.. الذين تعطيهم أجورهم.. وامنحني جزءاً من رحمتك.. ومُن عليَّ ببعض أجري.. وأحسن فإن الله يحب المحسنين..
يا بني.. أتمنى رؤيتك.. لا أريد سوى ذلك.. دعني أرى عبوس وجهك.. وتقاطيع غضبك..
يا بني.. تفطر قلبي.. وسالت مدامعي.. وأنت حي ترزق.. ولا يزال الناس يتحدثون عن حسن خلقك.. وجودك وكرمك..
يا بني.. أما آن لقلبك أن يرق لامرأة ضعيفة.. أضناها الشوق.. وألجمها الحزن.. جعلت الكمد شعارها.. والغم دثارها.. وأجريت لها دمعاً.. وأحزنت قلباً.. وقطعت رحماً.. لن أرفع الشكوى.. ولن أبث الحزن.. لأنها إن ارتفعت فوق الغمام.. واعتلت إلى باب السماء.. أصابك شؤم العقوق.. ونزلت بك العقوبة.. وحلت بدارك المصيبة.. لا لن أفعل.. لا تزال يا بني.. فلذة كبدي.. وريحانة حياتي.. وبهجة دنياي..
أفق يا بني.. بدأ الشيب يعلو مفرقك.. وتمر سنوات.. ثم تصبح أباً شيخاً.. والجزاء من جنس العمل.. وستكتب رسائل لابنك بالدموع.. مثلما كتبتها إليك.. وعند الله تجتمع الخصوم..
يا بني.. اتقِ الله في أمك.. كفكف دمعها.. وواسِ حزنها.. وإن شئت بعد ذلك.. فمزق رسالتها.. وأعلم.. فإن من عمل صالحاً فلنفسه.. ومن أساء فعليها"
..انتهى
غذوتك مولوداً وعلتك يافعا
تعل بما أدنى إليك وتنهل
إذا ليلة ضاقتك بالسقم لم أبت
لسقمك إلا ساهراً أتململ
كأني أنا المطروق دونك بالذي
طرقت به دوني فعيني تهمل
تخاف الردى نفسي عليك وإنها
لتعلم أن الموت حتم مؤجل
فلما بلغت السن والغاية التي
إليها مدى ما كنت فيك أؤمل
جعلت جزائي غلظة وفظاظة
كأنك أنت المنعم المتفضل

أخوتي القراء.. كما تعلمون.. إن عقوق الوالدين من أكبر الكبائر.. وسخطهما وغضبهما يغضب الرب وينذر بالعقوبة.. أما رضاهما فهو من رضى الرب.. والجنة تحت أقدام الأمهات.. بهذا أخبر الرسول عليه السلام.. والغرابة من هذه الرسالة.. ما تمتعت به هذه الأم الفاضلة.. من كرم ونبل ورحمة.. فبرغم إساءة ولدها.. وعقوقه لها.. لم تقابل الإساءة بالإساءة.. وإنما قابلت الإساءة بالإحسان.. وقابلت النكران بالمعـروف.. وإني أقـف إجـلالاً واحتراماً.. لتلك المرأة العظيمة.. لأنها تعلم علم اليقين.. أنه من السهولة أن تأخذ حقها.. وتسترد حقوقها.. بمجرد أن ترفع يديها لعلام السر وأخفى.. ناصر المظلومين.. معين الضعفاء.. فيقتص ممن ظلمها.. وينصفها ممن اغتصب حقها.. لكن وبسبب عاطفة الأمومة.. المتوقدة في صدرها.. والتي لم يزحزحها عصيان ذلك الشاب وعقوقه.. فمنعتها من أن ترفع مظلمتها لبارئها.. خوفاً من أن يصاب ولدها بأذى.. بسبب غضب الرب.. وانتقامه منه.. فما أروعها من أم.. وما أعظمها من نصيحة.. وما أجلها من موعظة.. وما أقساه من ولد!!.
فلا تطع زوجة في قطع والدة
عليك يا ابن أخي قد أفنت العمرا
فكيف تنكر أماً ثقلك احتملت
وقد تمرَّغت في أحشائها شهرا
وعالجت بك أوجاع النفاس وكم
سُرَّت لما ولد مولودها ذكرا
وأرضعتك إلى الحولين مكملة
في حجرها تستقي من ثديها الدَّررا
ومنك ينجسُّها ما أنت راضعه
منها ولا تشتكي نتناً ولا قذرا
وقل هو الله بالآلاف تقرؤها
خوفاً عليك وترخي دونك السِّترا
وعاملتك بإحسان وتربية
حتى استويت وحتى صرت كيف ترى
فلا تفضل عليها زوجة أبداً
ولا تدع قلبها بالقهر منكسرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق