الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( نهاية عام.. وبداية عام جديد)

انقضى العام الهجري.. كأنه طيف خيال.. أو لمح بصر.. وانقضت معه مرحلة من مراحل العمر.. وطويت صفحة من صفحات الحياة.. وهكذا تنقضي الأعوام عاماً بعد عام.. وكذلك تنقضي الآجال على مر الزمان.. قال تعالى : { كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ } (الرحمن:26ـ27) .. ونحن لا زلنا نيام.. غرنا التسويف.. وطول الأمل..
نروح ونغدو لحاجاتنا
وحاجة من عاش لا تنقضي
تموت مع المرء حاجاته
وتبقى له حاجة ما بقي
أشاب الصغير وأفنى الكبير
كرُّ الغداة ومرُّ العشي
إذا ليلة أهرمت يومها
أتى بعد ذلك عام فتي

وها هما الليل والنهار.. يدوران ويذهبان.. ولا يعودان.. وعلى عمل المرء يشهدان.. إن هذه الأعوام التي نفرح بانقضائها.. وتلك الأيام والليالي والشهور.. هي في الحقيقة.. محسوبة من أعمارنا.. ماضية بآجالنا..
كم للمنايا في بني آدم
توسع منه تضيق الصدور
فالوقت لا تحدث ساعاته
إلا الردى المحض بوشك المرور
أيامنا السبعة أيسارنا
وكلنا فيها شبيه الجزور
طهرت ثوباً واهياً ثم ما
قلبك إلا عادم للطهور
لو فطن الناس لدنياهم
لا اقتنعوا منها اقتناع الطيور

وحال الدنيا ينطبق عليه قول الله تعالى : { اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (الحديد: 20)..
حكم المنية في البرية جار
ما هذه الدنيا بدار قرار
جبلت على كدر وأنت تريدها
صفواً من الأقذار والأكدار
فاقضوا مآربكم عاجلاً إنما
أعماركم سفر من الأسفار

إن العاقل.. من يحاسب نفسه.. قبل أن يحاسبه ربه.. ويقلع عن فعل السيئات.. قبل أن يدركه الممات.. فما يوم تشرق شمسه إلا وينادي : "يا ابن آدم.. إني خلق جديد.. وعلى عملك شهيد.. فاغتنم مني.. فإني لا أعود".. وها هو العام الهجري.. قد انقضى.. فيا ترى أيكون شاهداً لنا.. أم شاهداً علينا؟!!
إذا مرّ بي يوم ولم أستفد هدى
ولم أكتسب علماً فما ذاك من عمري

يقول عبدالله بن مسعود رضي الله عنه : " ما ندمت على شيء.. ندمي على يوم.. غربت شمسه.. نقص فيه أجلي.. ولم يزد فيه عملي"..
حياتك رأس المال والعلم ربحه
وأخلاق أشراف بهن تصدر
وموسمك الأيام خلتك حازماً
وإلا فذو التفريط لا شك يخسر
ومن ضيع الأوقات ضاعت حياته
وعاش فقيراً جاهلاً ليس يشكر
ودع غائباً من فائت ومؤمل
فوقتك سيف قاطع ليس يعذر

على المسلم.. أن يستعد لما يأتي من الأيام القادمة.. وعليه أن يعلم.. أن ما تبقى من الدنيا بالنسبة لما مضى.. يشبه ما بقى من عامنا هذا بالنسبة لما مضى منه.. وليكن على استعداد في كل وقت للرحيل.. ليكن في الدنيا كأنه غريب أو عابر سبيل.. إذا أمسى فلا ينتظر الصباح.. وإذا أصبح فلا ينتظر المساء.. وليأخذ من صحته لمرضه.. ومن حياته لموته..
يا ساهياً لاهياً عما يراد به
آن الرحيل وما قدمت من زاد
ترجو البقاء صحيحاً سالماً أبدا
هيهات أنت غداً فيمن غدا غاد

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله >>( سنن الترمذي ج4 ص638) .. وعن أبي بكرة رضي الله عنه قال : يا رسول الله .. أي الناس خير؟.. قال : << من طال عمره وحسن عمله >>.. قال : وأي الناس شر؟.. قال : << من طال عمره وساء عمله >>(المستدرك على الصحيحين ج1 ص 489)..
الأمر جد وهو غير مزاح
فاعمل لنفسك صالحاً يا صاح
كيف البقاء مع اختلاف طبائعٍ
وكرور ليلٍ دائمٍ وصباح
تجري بنا الدنيا على خطر كما
تجري عليه سفينة الملاح
تجري بنا في لج بحرٍ ما له
من ساحل أبداً ولا ضحضاح

أخوتي في الله.. يقول الإمام علي كرم الله وجهه : " من أمضى يومه في غير حق قضاه أو فرض أداه أو مجد بناه أو حمد حصَّله أو خير أسَّسه أو علم اقتبسه فقد عق يومه وظلم نفسه".. فرأس مال الإنسان في هذه الحياة.. ثوان معدودة.. ودقائق محسوبة.. فليستعرض كل واحد منا ما مضى من عمره.. ولينظر ما قدمت يداه.. من خير وشر..
يا من يعد غداً لتوبته
أعلى يقين من بلوغ غد
المرء في زلل على أمل
ومنية الإنسان بالرصد
أيام عمرك كلها عدد
ولعل يومك آخر العدد

فما كان لك من خير.. فلتحمد الله عليه.. ولتطلب من الله قبوله والتوفيق إلى مثله.. وما كان من شر.. فلتبادر بالتوبة.. ولتعجل بالندم.. ولتسرع بالاستغفار.. فإن الحياة فرصة لن تعود.. يقول عز من قائل : { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} (الأعراف: 34)..
لا دار للمرء بعد الموت يسكنها
إلا التي كان قبل الموت يبنيها
فإن بناها بخير طاب مسكنه
وإن بناها بشر خاب بانيها

وآخر الكلام..
حياتك أنفاس تعد فكلما
مضى نفس منها انتقضت به جزءا
فتصبح في نقص وتمسي بمثله
أما لك معقول تحس به رزءا
يميتك ما يحييك في كل ساعة
ويحدوك حاد ما يريد بك الهزءا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق