الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( طرق أخرى للدعوة)

كتبت زوجتي يوماً مقالاً.. تتحدث فيه عن طرق وأساليب للدعوة.. فذكرت في حديثها وهي تذّكر بنات جنسها.. أن للدعوة طرقاً وأساليب.. تستدعي انتباه اللبيب.. وحرص الأريب.. وهي تستجد حسب ما يطرأ من تقدم وتطور.. ويمكن أن نستنبطها من حياتنا اليومية.. حيث قالت في بداية حديثها:
"اعلمي أن الدعوة إلى الله مسؤوليتك.. كما هي مسؤولية الرجل.. فهي إذن مسؤولية مشتركة بينكما..
واعلمي أن للدعوة طرقاً عدة فهي لا تتوقف على طريقة واحدة أو أسلوب واحد.. فلا تضيقي على نفسكِ الخناق..
واعلمي أيضاً.. أن طريق الدعوة ليس بالطريق السهل المفروش بالرياحين والورود وإنما هو طريق مليء بالأشواك.. فعليكِ أن تتحلي بالصبر وتحمل المشاق وإخلاص النية لله تعالى.. وتأكدي أن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا.. يقول تعالى:{ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} (النحل : 97)..
فمن عرف الدهر الخؤون وصرفه
تصبر للبلوى ولم يظهر الشكوى
وهنا أعجبتني كلمات للإمام حسن البنا حيث قال : "الفلاح الذي يزرع القطن يعرف أن الثمار تحتاج إلى ستة شهور.. وهل ينتظر ستة شهور بلا عمل؟!.. لا.. إنه يزرع حول القطن طماطم.. خياراً.. ذرة.. فجلاً.. حتى يأتي وقت حصاد القطن.. نحن إذن في حاجة إلى أن نؤدي حق الدعوة في العمل المتواصل في كل ميدان"..
إذن ليست الدعوة جانباً واحداً.. فمن يعجزه العمل في ميدان.. فهناك ميادين كثيرة في حاجة إليه..
وفي هذا المقام.. أحببت أن أذكركِ بإحدى الطرق الحديثة.. حيث رأيت أنها من الممكن أن تكون من طرق الدعوة .. بدلاً من استغلالها فيما لا ينفع.. وهذه الطريقة.. هي خاصية الرسائل (Messages ) .. وهذه الخاصية.. موجودة في الهواتف المحمولة.. وهي منتشرة بكثرة .. بين الرجال والنساء.. وبين الصغار والكبار..
ازرع جميلاً ولو في غير موضعه
فلا يضيع جميلاً أينما زرعا
إن الجميل وإن طال الزمان به
فليس يحصده إلا الذي زرعا
لكن منهم من قد يسيء استخدامها ..
فمنهم من يستخدمها في الغيبة والنميمة.. وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغيبة والنميمة.. حيث قال: <<لا يدخل الجنة نمام>> (صحيح مسلم[105] ج1 ص101).. وعن البراء قال خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسمع العواتق في بيوتها أو قال في خدورها فقال :<< يا معشر من آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم فإنه من يتبع عورة أخيه يتبع الله عورته ومن يتبع الله عورته يفضحه في جوف بيته>> (مجمع الزوائد ج8 ص93).. وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : <<... وأيما رجل أشاع على رجل مسلم بكلمة وهو منها بريء سبه بها في الدنيا كان حقا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بانفاذ ما قال>>.. وفي رواية عن أبي الدرداء أيضاً.. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :<< من ذكر امرءا بشيء ليس فيه ليعيبه به حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه>>(مجمع الزوائد ج4 ص201)..
فكيف تعيب الناس في هفواتهم
وعيبك مستعص عليك علاجه
فمن سكن البيت الزجاجي واعتدى
تصدع بعد الاعتداء زجاجه
ومنهم من يستخدم الرسائل في المزاح.. الذي لا يخلو من الكذب.. وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك.. حيث قال : << ويل للذي يحدث فيكذب ليضحك به القوم ويل له ويل له>> (سنن الدرامي[2702] ج2 ص382).. وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< إن الرجل ليحدث بالحديث ما يريد به سوء إلا ليضحك به القوم فيجر به أبعد من السماء>> (مجمع الزوائد ج8 ص89).. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال:" ثلاث من كن فيه يجد بهن حلاوة الإيمان ترك المراء في الحق والكذب في المزاح ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه"(مجمع الزوائد ج1 ص55)..
إياك وكثرة المزاح
فإنه يفضي إلى التلاحي
فشره لا شك لا يحال
وخيره قد قيل لا ينال
وأشياء أخرى تفضي إلى معصية الله.. وتستوجب عقابه.. أنا لا أقول أن تضيقي على نفسك الخناق.. فالترويح عن القلوب مطلوب.. بعد العناء والتعب.. والجهد والنصب.. فتميل النفوس إلى التجديد والتنويع.. واللهو المباح والترويح.. دفعاً للكآبة.. ورفعاً للسآمة.. ولكن بضوابط.. فلا يفضي إلى معصية.. وقد قيل: " إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم" .. وقيل : " روحوا القلوب ساعة بعد ساعة فإن القلب إذا أكره عمي" .. ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لحنظلة : << ولكن يا حنظلة ساعة ساعة وساعة وساعة>> (سنن الترمذي [2514] ج4 ص666)..
إن لله عباداً فطنا
تركوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا
أنها ليست لحي وطنا
جعلوها لجة واتخذوا
صالح الأعمال فيها سفنا
فبإمكانكِ أختي الحبيبة.. أن تستغلي هذه الرسائل.. الاستغلال الأمثل.. ومن ذلك : كأن تذكري أختاً لك في الله.. بصيام يوم الاثنين والخميس.. ويوم عرفه والست من شوال.. والتذكير بفضل يوم الجمعة.. أو ترسلي لها كلمة.. معلومة.. حكمة.. دعاء.. آية.. أو حديث شريف.. والكثير الكثير من الأشياء.. والتي لا تعد ولا تحصى.. وإنما ذكرت هذه الأشياء.. على سبيل المثال فقط.. لا على سبيل الحصر..
قف دون رأيك في الحياة مجاهداً
إن الحياة عقيدة وجهاد
فذلك يجعلك تكسبين الأجر والثواب.. فقد تكون في غفلة.. أو تناست هذه الأمور.. وبحاجة إلى من يذكرها.. ويأخذ بيدها إلى بر الأمان.. ويذكرها بالله.. والثواب الذي أعده للطائعين.. والعقـاب الذي أعده للعصـاة والمعاندين .. وتجـد في رسائلك السلوى.. والراحة والطمأنينة .. ولعل الله يهدي على يديكِ الكثير من أخواتكِ.. ممن هن بحاجة إليكِ .. فلا تبخلي عليهن بكلمة.. والتي قد لا تتجاوز أحياناً سطراً واحداً..
لا تنظرن إلى زهيد هدية
بل فانظرن لقلب من أهداها
فلا تنسي أخية.. أن لك أخواتٍ بحاجة إليكِ.. فشمري عن ساعد الجد.. ولتسعي إلى قلوبهن.. بالتلاطف معهن.. ولتعملي على جمع القلوب المتنافرة.. بالكلمة الطيبة.. فالإسلام ذوق.. وأحاسيس ومشاعر.. فهذا الدين.. يتعامل مع القلوب.. والأرواح والأنفس.. فلم يبدأ باستعمال العضلات.. ولا باستخدام خشونة الكلمات.. ولا بالتصدي والتحدي.. ولكن بدأ بالكلمة الطيبة.. والنظرة الحانية.. { وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً} (البقرة: 83).. وقد وصف الله سبحانه وتعالى رسول الرحمة بقوله: { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } (آل عمران: 159).. ويقول له: { خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: 199)..
الرفق يمن والأناة سعادة
والطيش أقبح بالرجال وأخرق
لو سار ألف مدجج في حاجة
لم يقضها إلا الذي يترفق
واعلمي أخية.. إن الذين يعيشون بلا حركة دعوية.. ولا هدف مرسوم في الحياة.. هم في الحقيقة..{ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} (النحل: 21).. فهم لا يعطون.. ولا يثمرون.. ولا ينتجون.. ويكونون عالة على المجتمع" انتهى..
من الناس ميت وهو حي بذكره
وحي سليم وهو في الناس ميت

*******************************
من الناس ميت وهو حي بذكره
وحي سليم وهو في الناس ميت

نعم.. الذين يعيشون في الحياة.. بلا حركة دعوية.. ولا لهم هدف مرسوم.. يسيرون على إثره.. وينطلقون منه.. هم مجرد أجساد بلا أرواح.. وأجسام بلا عقول.. وإن كانوا يدبون في هذه الحياة.. ويرتشفون من جيدها ورديئها.. وينامون وينهضون.. ويأكلون ويشربون.. ويمشون ويجلسون.. ويتزوجون ويلدون.. إلا أنهم رغم حياتهم هذه.. أموات!!.. ولا يشعرون بموتهم.. فموت الضمير.. لا يتطلب بالضرورة موت الجسد.. وموت الضمير.. أشد خطراً.. وأكثر ضرراَ.. من موت الجسد..
رأيت الذنوب تميت القلوب
وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب
وخير لنفسك عصيانها
للدعوة ـ وكما يعلم البعض ـ طرق كثيرة.. لا تعد ولا تحصى.. للذين أعطوا فكراً ألمعياً.. وعقلاً راجحاً.. وفطراً سليمة.. وللذين أخلصوا النية في سريرتهم وعلانيتهم لله سبحانه وتعالى.. ولم يشركوا معه أحداً.. إني أقف معكم.. وقفة تأمل.. في الحديث الشريف الذي أسوقه إليكم.. والذي رواه أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ .. عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : << حق المسلـم على المسلـم سـت >> قيل : ما هُنَّ يا رسـول الله ؟ قال : <<إذا لقيته فسلِّم عليه.. وإذا دعاك فأجبه.. وإذا استنصحك فانصح له.. وإذا عطس فحمد الله فَشَمِّتْه.. وإذا مرض فَعُدْه.. وإذا مات فاتبعه >> (صحيح مسلم [2162] ج4 ص 1705)..
فكم زالت رياض من رباها
وكم بادت نخيل في البوادي
ولكن نخلة الإسلام تنمو
على مر العواصف والعوادي
ومجدك في حمى الإسلام باق
بقاء الشمس والسبع الشداد
فلو تأملنا وتمعنا في هذا الحديث الشريف.. لاستنبطنا عدة طرق للدعوة إلى الله.. وموصلة إلى قلوب وعقول الناس.. وكل طريق قد تكون مرتبطة بأختها.. لا تنفك عنها.. فهذا الحديث.. وكما نستشف من قراءته.. أنه يساعد على توثيق عرى الارتباط والاتحاد في المجتمع الإسلامي.. وتمكين أواصر المودة والإخاء بين المسلمين.. ونشر الأمن والسلام في ربوع البلاد الإسلامية.. وما يستشف أيضاً من الحديث الشريف.. أن الإسلام جعل للمسلم حقوقاً على أخيه المسلم..
من حق مسلم على أخيه
يسلمن عليه إن لقيه
والخلف في التسليم قيل يجب
وقيل سنة إليها يندب
وهكذا تشميته إن عطسا
وهو الدعا بالخير مع دفع الأسى
وذاك أن بذكر باريه أتى
أولاً فلا يلزم أن يشمتا
كذا يجيبه إذا دعاه
لطاعة أو لمباح جاه
وفي حقوق المسلمين قد أتت
جملة أخبار لنا قد ثبتت
دلت على تعظيمهم في الحق
وحرمة الأذى لهم والعق
هذه الحقوق.. كفيلة بأن تنشر ـ وكما قلنا سابقاًـ الأمن والسلام والمحبة بين الناس.. وتزيل من نفوسهم سخائم الحقد والكره والبغضاء.. لما تحمله في طياتها من تقدير واحترام للإنسان.. ولما تنطوي عليه من المشاركة في السراء والضراء.. وفي الأفراح والأحزان.. << المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يخذله ولا يحقره>> (صحيح مسلم [2564] ج4 ص1986) .
إذا شئت أن تدعى كريماً مكرَّماً
أديباً ظريفاً عاقلاً ماجداً حرا
إذا ما أتت من صاحب لك زلة
فكن أنت محتالاً لزَّلته عذرا
غنى النفس ما يكفيك من سدِّ خلَّه
فإن زاد شيئاً عاد ذاك الغنى فقرا

** فإلقاء السلام عند المقابلة.. والتصافح والسؤال عن الأحوال.. يولد في النفوس الحب.. ويلغي الغل والحقد والحسد من القلوب.. عن عطاء بن عبد الله الخراساني قال: قال صلى الله عليه وسلم : << تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء >> (نصب الراية ج4 ص121) ..
وحي من لقيت بالسلام
فإنه تحية الإسلام
وإفشاء السلام ورده.. إن دل على شيء.. فإنما يدل على تواضع المسلم.. وحبه للناس.. وتمسكه بالدين.. عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رجلاً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الإسلام خير؟ قال : << تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف >>(صحيح مسلم [39] ج1 ص65) ..
حق على المسلم أن يسلما
على أخيه قبل أن يكلما
وهي تحية أتى الإسلام
بها فلا يخلفها كلام
فليس يغني عنه قد مساكا
ربي يخير أو بنحو ذاكا
فإنها محدثة والخير في
ما قد أتى عن النبي الرائف
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : <<لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا أولا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم >>(صحيح مسلم [54] ج1 ص74).. ورد التحية بأحسن منها.. تدل على التعبير الصادق على الحب.. وعلى الإقتداء بالآداب التي شرعها الله تعالى.. { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } (النساء: 86)..
أهدي إليكم على نأي تحيته
حيوا بأحسن منها أو فردُّها
ويستطيع هذا الشخص.. بعد ذلك.. بإسلوبه الجميل.. أن يؤثر في الناس.. بالكيفية التي يريدها .. فيتقبلوا منه ما رفضوه من غيره.. ويقتنعوا بفكره رغم إنهم قد حاربوا نفس الفكرة التي جاء بها غيره.. {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } (فصلت: 34).. فإفشاء السلام.. والكلام الطيب.. وسيلة من وسائل الدعوة.. ينتفع من يعمـل بها.. ويستفيد منها من يخلص سريرته لله..
وأبخل الناس فتى قد بخلا
على أخيه بسلام بذلا

** أما إجابة الدعوة.. في الولائم والأعراس.. فإجابة الدعوة كرم أخلاقي نبيل.. ينم عن التواضع والتقدير.. وقد كانت من صفات النبي صلى الله عليه وسلم وشمائله.. إجابة الدعوة وحضور الولائم.. وقد أمر الصحابة الكرام بفعل ذلك.. وجعل قبول الدعوة والاستجابة لها سنة متبعة لكل من آمن به.. في كل وقت وآن.. وقد وصف جرير بن عبدالله رضي الله عنه.. رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله :" كان يجيب دعوة الحر والعبد والأمة والمسكين ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر".. شريطة خلوها من اللهو والمجون.. ومن معازف ومزامير الشيطان.. ومن الفساد والعربدة.. ومن المحرمات والمنكرات.. ومن الاختلاط والتفسخ..
مجالسة السفيه سفاه رأي
ومن عقل مجالسة الحكيم
فإنك والقرين معاً سواء
كما قُدَّ الأديم من الأديم
ولا يشترط في الدعوة.. أن تكون الوليمة فاخرة.. حتى يضطر صاحبها إلى التكلف والإسراف.. بل يحبذ أن لا تكون مكلفة.. وفيها من البساطة ما لا يحرج المدعوين.. ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: << لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت >> (صحيح البخاري [2429] ج2 ص908) ولقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أتباعه.. بحضور الولائم وإجابة الدعوة إذا ما دعوا.. حيث قال : << إذا دعي أحدكم إلى وليمة فليأتها >> (المسند المستخرج على صحيح الإمام مسلم [3383] ج4 ص98)..
كذا يجيبه إذا دعاه
لطاعة أو لمباح جاه
لأن الداعي للوليمة أو العرس.. يعتبر إجابة دعوته تكريماً وتقديراً له.. فيسعد بتلبية دعوته.. ويفرح بمشاركته في أفراحه.. التي أسعده الله بها..
فإجابة الدعوة.. تزيد من ترابط المسلمين وتعاونهم.. وتزيد من اتحادهم وإخائهم.. ومن الممكن أن يتقبل هذا الداعي النصح والإرشاد.. إذا ما بدر ما يخالف الشرع.. أو عمل عملاً يخالف هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم.. من دون أن يتكبر الداعي أو يعارض.. احتراماً وإكراماً للضيف القادم.. وبهذا.. يستطيع الداعية الفطن.. بإسلوبه السلس.. وبكلماته العذبه الرقيقة.. أن يؤثر في القوم.. ولا ينفر منه أحد.. ويخرج الجميع من الوليمة فرحين مسرورين.. لم تكدرهم ملاحظة فلان.. ولا رفض فلان.. لأنهم سيعلمون أن ذلك هو الصواب.. وأن ما فعل كان خطأ وزلة.. فإجابة الدعوة في الولائم والأفراح.. تعتبر وسيلة أخرى من وسائل الدعوة إلى الله.. ينجح من يستغلها على أكمل وجه.. وعليه أن يأخذ في عين الاعتبار.. الفرصة السانحة.. والوقت المناسب.. والمكان الصحيح..
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس


** أما إسـداء النصيحـة لطالبها.. والإخـلاص فيها.. من سنن المرسلين.. والنصيحة وكما يعلم الجميع تكون في أغلب الأحيان مرة صعبة الاستساغة.. لا يقبلها إلا أولو العزم والمخلصون.. وقد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : " رحم الله عبداً أهدى إليَّ عيوبي".. والنصيحة أمر حببه الإسلام.. وحض عليه.. بل رغب فيه.. وأمر به.. وقد قال الله تعالى حكاية عن وعن نوح عليه السلام قوله : { أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَأَنصَحُ لَكُمْ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } (الأعراف: 62).. وعن هود عليه السلام قوله :{ أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ } (الأعراف:68).. وعن صالح عليه السلام: { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ} (الأعراف: 79) وعن شعيب عليه السلام : { فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالاَتِ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَكَيْفَ آسَى عَلَى قَوْمٍ كَافِرِينَ } (الأعراف:93).. وعن مؤمن آل فرعون: { وَجَاء رَجُلٌ مِّنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ } (القصص:20)..
نصيحة ملؤها الإخلاص صادقة
والنُّصح خالصة دين وإيمان
طبعاً لا تكون النصيحة لها تأثير.. إلا إذا كان الناصح مطبقاً لما ينصح به.. سالكاً منهج القرآن.. عاملاً بأحكامه.. منتهياً عن محرماته.. حتى تقبل منه النصيحة.. وحتى يدرأ عن نفسه اللمز والهمز والقيل والقال.. والواجب على من يسدي النصيحة.. ألا يداهن أو يجامل ولا يتحيز إلى فئة.. لأن النصيحة دين.. والدين لا مجاملة فيه.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< الدين النصيحة ، ثلاث مرات>>.. قالوا لمن يا رسول الله ؟ قال : <<لله ولكتابه ولرسوله ، ولأئمة المسلمين أو للمؤمنين وعامتهم >> (صحيح ابن حبان [4574] ج10 ص435)..
وفي رواية أتت صحيحة
إن تمام ديننا النصيحة
تنصح لله بأن تطيعه
والمصطفى بأن تكن سميعه
ولأئمة الهدى أن تتبعا
رشدهم وتنصحن وتسمعا
وباقي المسلمين تنصحنا
فلا تغشهم وتخدعنا
فلأخي الدين تحب ما تحب
للنفس هذا منتهى النصح حسب
وكل ما قد أحسن النصيحة
نجا بها من تهمة قبيحة
إن دخل الرفق بشيء زانه
والحمق ما يدخل إلا شانه
وإنه قد جاء في النصيحة
في ملأ الناس من الفضيحة
وإن أردت يا أخي نصحا
لأحد فاجعل لذاك فسحا
إياك أن تسمع قول الأعدا
فما العدو قط نصحا أبدا
لكن أولئك الرجال الصلحا
يأتون في الأعمال ما قد صلحا
ويتركون كل ما نهاهم
عن ارتكاب فعله مولاهم
فكن بهم يا ذا النهي مقتديا
وبالهدى من فعلهم معتديا
وقوله صلى الله عليه وسلم : << للمسلم على أخيه المسلم ست خصال واجبة فمن ترك خصلة منها فقد ترك حقا واجباً ـ ومنها ـ وإذا استنصحه أن ينصحه>> (مجمع الزوائد ج8 ص184) .. وقوله صلى الله عليه وسلم << المستشار مؤتمن >> (الأحاديث المختارة [280] ج9 ص319).. وقوله صلى الله عليه وسلم : << ومن أشار على أخيه بأمر يعلم أن الرشد في غيره فقد خانه >> ( المستدرك على الصحيحين [350] ج1 ص184)..
إذا ما نهاك امرؤ ناصح
عن الفحشاء انزجر وانته

وبهذا إذا رأى المنصوح الصدق في النصيحة.. والإخلاص في النصح.. فإنه سيتأثر بالنصيحة.. ويتقبل منه كل ما يقوله.. دون أن يعترض أو يتكبر.. لأنه يعلم في قرارة نفسه.. أن هذا الناصح لا يريد إلا مصلحته.. والنصيحة الصادقة.. أسلوب من أساليب الدعوة إلى الله.. فهي إذا كانت صادقة فإنها تحبب القلوب.. وتذيب الأحقاد.. وتزيل سخائم الصدور..
تعمدني بنصحك في انفرادي
وجنبني النصيحة في الجماعة
فإن النصح بين الناس نوع
من التوبيخ لا أرضى استماعه
وإن خالفتني وعصيت قولي
فلا تجزع إذا لم تعط طاعة

** أما تشميت العاطس.. فهي نوع من الأفعال.. والتي تحبب القلوب.. وتزيل سخائم الأحقاد.. فإذا عطس المسلم.. فحمد الله بعد عطاسه.. فيرد عليه من يجاوره بقوله : " يرحمك الله ".. أي يبعد عنك الأذى.. أو يجعل قلبك طاهراً من الشماتة في خلق الله.. فيرد عليه العاطس بقوله : "يهديكم الله ويصلح بالكم ".. داعياً له بالهداية والفلاح.. ولا شك أن هذا العمل بين العاطس والمشمت.. من المجاملات الإسلامية الكريمة.. ومن الأخلاق الرفيعة التي حض عليها الإسلام.. حيث تدعو لأخيك بالرحمة.. وترجو أن يصرف الله عنه ما يضر نفسه أو بدنه.. فيكونان جواً من التآلف والتراحم والتعاطف.. وهذه طريقة أخـرى من طرق الدعـوة إلى الله.. يستفيد من يحسن استغلالها..
وهكذا تشميته إن عطسا
وهو الدعا بالخير مع دفع الأسى
وذاك أن بذكر باريه أتى
أولاً فلا يلزم أن يشمتا

** أما عيادة المرضى وزيارتهم.. فيعتبر سلوك إسلامي حميد.. يتمثل في زيارتهم في موقع مرضهم للتخفيف من آلامهم.. ورفع معنوياتهم.. والدعاء لهم بتجاوز المحنة.. ومواساتهم الرقيقة واللطيفة.. ونصحهم بالصبر على ما ابتلاهم به ربهم..
يا نائماً فوق السرير ممرضاً
مرت على آلامه أعوام
أبشر فإن الله زادك رفعة
في كل مكروه أتى إكرام
فعيادة المرضى.. من أعظم الأعمال التي يؤجر عليها المسلم.. ومن أفضل الطرق لاستمالة القلوب.. وإزالة الأحقاد.. لأن هذه الزيارة.. تنبئ عن خالص المحبة والتقدير للمريض.. ولأن المريض يكون في تلك الحالة.. محبطاً نفسياً.. ويحتاج إلى من يرفع له معنوياته.. ويخفف عنه آلامه.. ويبعث في نفسه السرور والرضى.. ويغرس فيه الأمل.. وعندما يرى المريض من الزائر هذا العطف.. وهذه الرحمة.. يحن قلبه.. وتهدئ نفسه.. ويراجع عقله إذا كان على خطأ.. فيعلم بعد تفكير عميق أنه كان على خطأ.. فيرجع إلى الصواب.. ويعود إلى الحق.. ويقبل النصح..
مرض الحبيب فزرته
فمرضت من خوفي عليه
وأتى الحبيب يزورني
فشفيت من نظري إليه
وزيارة المرضى.. تنشر في المجتمع التراحم والتعاطف.. وقد كان رسول الله  .. يعود المرضى.. غنيهم وفقيرهم.. سيدهم وعبدهم.. مسلمهم وكافرهم.. وتعتبر هذه الطريقة.. من الطرق الناجعة.. في إصلاح كثير من العصاة.. وفي رأب الصدع.. وفي لم الشمل.. لمن عرف الترياق السليم للمرض.. فزيارة المرضى.. لها أثر في نفوس المرضى.. وإن كانوا لا يدينون بالإسلام.. وقد أسلم على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم .. كثير من الناس.. عند عيادته لهم.. وأذكر حادثتين تدلان على ذلك :
الحادثة الأولى : عيادة النبي صلى الله عليه وسلم لجاره اليهودي.. الذي كان يؤذيه.. بوضع الشوك في طريقه.. فلما مرض.. عاده عليه السلام.. ففكر اليهودي وظن في نفسه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء لينتقم منه.. مستغلاً مرضه.. ولكن عندما تأكد من مغزى الزيارة.. وغاياتها السامية.. أسلم..
الحادثة الثانية : يرويها أنس بن مالك رضي الله عنه.. قائلاً : أن غلاما يهوديا كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه : << اذهبوا بنا إليه نعوده>> فأتوه.. وأبوه قاعد على رأسه.. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : << قل لا إله إلا الله أشفع لك بها يوم القيامة>>.. فجعل الغلام ينظر إلى أبيه.. فقال له أبوه : انظر ما يقول لك أبو القاسم.. فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله.. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : << الحمد الله الذي أنقذه من نار جهنم>> (صحيح ابن حبان [2960] ج7 ص227).. فزيارة المرضى.. من الأساليب الجيدة والناجعة في الدعوة إلى الله..
وقد روى في خبر من زارا
أخاه في الله احتساباً سارا
أو كان قد عاد مريضاً مدنفا
يبغي رضا الله وقصدا للوفا
ناداه ثم ملك من السما
طبت وطاب مشيك الذي نما
وقد تبوأت من الجنان
في الغرفات منزل اللذات
وجاء في زيارة الأخوان
والعلماء والقريب الداني
جملة أخبار من الآثار
قد رغبت من ذاك في الإكثار
فاحرص على الخيرات يا أخيا
ولازم المشروع هيا هيا

** أما المساهمة في تشييع الجنازة.. والسير بها إلى مثواها الأخير.. بعد تكفين الميت وتجهيزه.. والصلاة عليه.. والدعاء له بالخير.. فبرغم الأجر الكبير.. والثواب العظيم.. الذي يثاب المسلم عليه.. لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال :<< من صلى على جنازة ولم يتبعها فله قيراط.. فإن تبعها فله قيراطان>>.. قيل: وما القيراطان؟ قال :<< أصغرهما مثل أحد>> (صحيح مسلم ج2 ص653).. وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله : << من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط.. ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان>>.. قيل : وما القيراطان؟ قال : << مثل الجبلين العظيمين>>..(صحيح مسلم ج2 ص652)..
وإذا رأيت جنازة محمولة
فأعلم بأنك فوقها محمول
فبرغم هذا الأجر العظيم.. إلا أنه كذلك يستطيع أن يستفيد من حضوره هذا.. ببيان سنة.. وإبطال بدعة.. فيضاعف له الأجر.. وكذلك عندما يحس أهل المصاب بمشاركته في أحزانهم.. ومواساته في مصابهم.. فإنه يلاقي بعد ذلك الاحترام والتقدير من تلك العائلة.. ويكسب بذلك قلوب تلك العائلة.. ويستطيع بعد بذلك.. أن يغير ما يراه على خطأ.. دون أن يتصادم مع أحد من الحضور.. إذاً.. فتشييع الجنائز.. ومشاركة أهل المصاب في أحزانهم.. يعتبر وسيلة أخرى من وسائل الدعوة إلى الله .
إني أعزيك لا أني على طمع
من الخلود ولكن سنة الدين
فما المعزَّى بباق بعد صاحبه
ولا المعزِّي وإن عاشا إلى حين
فهذه بعض الطرق التي استنبطها من هذا الحديث الشريف.. وهناك طرق أخرى.. ـ وكما قلت سابقاًـ أن هناك طرقاً عديدة.. وأساليب كثيرة.. في الدعوة إلى الله.. لا يستنبطها إلا من كان مخلصاً لله سبحانه وتعالى.. عارفاً ما أمر الله به فتقيد به.. وعالماً بما نهى عنه فابتعد عنه.. والله الموفق لما فيه خير.. والحمد لله رب العالمين..
من يفعل الخير لا يعدم جوازيه
لا يذهب العرف بين الله والناس

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق