الأحد، 13 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( الوداع الأخير)

لقد سمعتم بوفاة قلمي.. وقرأتم في المقال السابق نعيه.. وقد يكون آلمكم ما آلمني.. وأحزنكم ما أحزنني.. و
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
لأنه كان رحمه الله صادق الكلمة.. متحرياً دوماً للصدق.. لا يحب المراوغة.. ويحب دائماً المصارحة.. صريح وإن كان في غير صالحه.. يكره الحسود والخؤون.. ويبغض النمام والمغتاب.. ويحارب الفتان وذا الأوجه صاحب الألف قناع.. وكان أيضاً سباقاً للخير.. مبتعداً عن الشر.. لا تأخذه في الله لومة لائم.. جسورا في الحق.. فلا يخشى إلا الله.. مقتصاً ممن ظلمه.. ناصراً للمظلومين.. ومعيناً للمحتاجين.. مساعداً للمساكين.. عطوفاً على الفقراء.. رحيماً بالضعفاء.. خافضاً جناحه لحزب الرحمان.. وسالاً سيفه على حزب الشيطان.. معنفاً كل متخاذل وجبان.. هادماً أصنام الطغيان.. وفاتحاً قلاع الصلبان.. وكان لا يسطر حرفاً في مذكرتي.. أو يرسم جملة في دفتري.. إلا ما يملي عليه ضميره.. أو تطمئن له نفسه.. ويرضى عنها ربه.. متمثلاً قول الشاعر أبا تمام..
لك القلم الأعلى الذي بشباته
تصاب من الأمر الكلى والمفاصل
لعاب الأفاعي القاتلات لعابه
وأرى الجنا اشتارته أيد عواسل
له ريقة طل ولكن وقعها
بآثاره في الشرق والغرب وابل
فصيح إذا استنطقته وهو راكب
وأعجم إن خاطبته وهو راجل
إذا ما امتطى الخمس اللطاف وأفرغت
عليه شعاب الفكر وهو حوافل
أطاعته أطراف القنا وتقوضت
لنجواه تقويض الخيام الجحافل
إذا استغزر الذهن الذكي وأقبلت
أعاليه في القرطاس وهي أسافل
وقد رفدته الحنصران وسددت
ثلاث نواحيه الثلاث الأنامل
رأيت جليلاً شأنه وهو مرهف
ضنى وسميناً خطبه وهو ناحل
ولكن قد يسطر قلمي أحرف وكلمات.. لا أعرف في الحقيقة ما معناها.. ولا المقصود من فحواها.. فينتابني الخوف والفزع.. من أن تكون فيها نهايتي.. أو أصبح بعدها في خبر كان.. أو بعيداً عن الزمان والمكان.. أو مبتعداً عن الصحب والخلان.. لأنه قد يقرأها أبله.. يفهمها عكس ما كان قلمي قد رآها.. أو بناني قد صاغها.. أو دفتري قد رواها.. فأتهم بجريرة أن هذا الجاهل.. قد نسى أن يسأل قلمي عن فحواها.. وما المقصود من معناها.. وإلى أي مدى يصل مغزاها.. حتى يرضي فضوله.. ويرتاح باله.. وتهدأ نفسه. ويسكن عقله.. ويطمئن فؤاده.. ويرضى بهذا عنه ولي نعمته؟!!!..
لعمرك ما السيف سيف الكمي
بأخوف من قلم الكاتب
له شاهد إن تأملته
ظهرت على سره الغائب
أداة المنية في جانبيه
فمن مثله رهبة الراهب
ألم تر في صدره كالسنان
وفي الردف كالمرهف القاضب
ولكن ولا أخفي عليكم.. أن لقلمي بعض الشطحات.. والتي لا يسلم منها إنس ولا جان.. ولو كان من أصحاب البيان..أو متبعاً للملك الديان.. أو كان حذراً دائماً من هفوات اللسان.. فتؤدي في كثير من الأحيان إلى تورطي في مشكلات لا تكون في الحسبان.. أو توقعني في مطبات أقسى من القضبان.. ومن المصائب أو المطبات التي جلبها إليّ قلمي.. وإن كان ذكر عثرات الأموات من المنهي عنه.. ولكن ليتضح المقال.. فإنه في يوم من الأيام.. كان قلمي يسطر بعض الكلمات.. عن الحياة الدنيا.. وحالها.. وما آلت إليه.. فقال واصفاً هذه الدنيا : "أن الحياة في هذا الزمن سرك" .. وقذف من فمه بعض الحبر.. لوعة وأسى.. ومن سوء حظي ومن نحس طالعي.. أنها سكنت أعلى السين.. على شكل ثلاث بقع.. وعندما وجد الورقة أحد كلاب الصيد.. التي كانت تبحث في أغراضي.. وأمتعتي وأوراقي.. حمل ضالته إلى صاحبه.. الذي كان يتصيد أخطائي.. وعثراتي وهفواتي.. فاتهمني بالكفر.. لأني قد أسأت للحياة.. وكفرت بما أنزل الإله.. وأعلن الحداد والمقاطعة.. وقرأ عليّ سورة الفاتحة؟!!!.. ولسان حالهم يقول:
قوم إذا أخذوا الأقلام من قصب
ثم استمدوا بها ماء المنيات
نالوا بها من أعاديهم وإن بعدوا
ما لا ينال بحدِّ المشرفات

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق