الأحد، 13 سبتمبر 2009

ولاية ضنك .. أنشودة خالدة تزينها الهضاب

هذا المقال عن ولاية ضنك ، بقلم مبارك بن عبدالله العامري ، تم نشره في جريدة الوطن العمانية ، يوم الجمعة 30 يونيو 2006م ، العدد ( 8378 )

ولاية ضنك .. أنشودة خالدة تزينها الهضاب
إعداد : مبارك بن عبدالله العامري


في سفوح الجبال الشاهقة تربض ضنك بحضارتها وتراثها تنام في السفوح قريرة العين ، ضنك هذه الولاية الواقعة تحت رصد الجبال تحتضن الطبيعة بقممها ووهادها وهضابها فجعلت الأكم أبراجا ومن الوهاد حصونا وفي الهضاب مسكنا وزرعا ...
الطبيعة وجمالها في المنطقة آية من آيات القدرة الإلهية وسر من أسرار الإعجاز الرباني لما تمتع به ضنك من جمال الطبيعة مما جعلها منطقة جذب لكثير من الزوار ... ويقف الماضي على ضنك ينشد أنشودته الخالدة لتكون ماضي الأجداد تذكرة للأحفاد حيث الأطلال تحكي قصة الأوائل والأبراج والحصون تشرح للزائر عهدا وتعرض له مجدا تليدا .
ضنك بجمالها الساحر تستوقفك مشاهد تأخذ الفكر وتستحكم العاطفة لتعايش طبيعة خلابة جميلة تزخر بها الولاية .موقعها تقع الولاية في وسط منطقة الظاهرة ، حيث تتصل بها ولاية البريمي من جهة الغرب ، وولاية عبري من جهة الجنوب ، وولاية ينقل من جهة الشرق ، وولاية محضة من جهة الشمال .
شعارها الأودية هي شريان حيوي يتدفق عبر شرايين سواقي وجداول كل الولاية يسقى مزارعها ويغذي أهاليها ويضفي إليها طبيعة ساحرة فريدة يجعلها روضة يتردد إليها السواح ويتمتعون بمنظر هذا الوادي وولاية ضنك اتخذت شعارها وادي فدى وهو شعار يسمو بالبيئة التي تتعدد بها .وصف المؤرخين ضنكفي ضنك ... تتعدد المعالم الطبيعية من قلاع وحصون وأفلاج وأودية ثروة صنعها الله لأصحاب الأرض ... وثروة أخرى صنعها الناس لأنفسهم فتضاعفت الكنوز .
يقول الشيخ العلامة سالم بن حمود السيابي موضحا النطق الصحيح لكلمة ضنك : أعلم أن ضنك وهي بضاد مفتوحة ونون ساكنة بعدها كاف من أفخرا ! لبلاد وأوسعها .وذكر الشاعر العماني سوار بن المضرب السعدي التميمي ضنك وذلك في قصيدته المشهورة النونية التي قالها عن عمان مبينا فيها حنينه ولوعته واشتياقه لزيارة موطنه ومرتع صباه حيث يقول :
أحب عمان من حبي سليمى وما طبي بحب قرى عمان
فلا أنسى ليالي بالكلنـــدى فنين وكل هذا العيش فــــان
ويوماً بالمجازة يوم صــدق ويوماً بين ضنك وصومحـان
سميت ضنك بهذا الأسم لوقوعها بين الجبال الشاهقة التي تحيط بها وتكتنفها من كل جانب وتحيط بها كدروع سابغة تحميها من غدر الطبيعة ومن الإنسان مما جعل هذا المكان ضيقا أو ضنكاً .وليس كما يدعي البعض أنها سميت بهذا الاسم بسبب ضيق العيش فيها وشح الموارد فالواقع ينفي ذلك لأن وجود هذا الوادي الدائم الجريان منح ضنك خصوبة في الأرض وغزارة في المياه مما جعلها تنتج شتى المحاصيل الزراعية . فالمنطقة تزخر بجمال الطبيعة ، ضنك تتضوع بأريج الزهور والورود ، الذي يكلل بساتينها لا تكون ضيقا له وكربا والتي تقلع ماء أرضها وينابيعها صافية ، لا تكون بمثابة الشدة إذ تفتح ضنك ذراعيها لكل زائر إليها .القلاع والحصون بين الجبال والصحراء الجميلة تعانق قلاع وحصون ضنك معانقة المحبة والألفة تضفي إليها إبداعات وتصاميم الأيادي العمانية المباركة التي وزعت أفكارا هندسية معمارية ذات طابع إسلامي يواكب عصرا حديثا .
ويعد حصن الإمام من أبرز المعالم التاريخية في الولاية حيث بناه الإمام سلطان بن سيف اليعربي في منتصف القرن الحادي عشر الهجري السابع عشر الميلادي ، وحصن المنيخ ، وحصن العزيزي ، ، وحصن دوت ، المنسج ، والشرايع ، والصبيخاء ، والمرقوع ، والعقر ، والجفرة ، والخلي ، الفتح ، وبلت ، إلى جانب ذلك تشمخ بعض الأبراج في مرتفعات الولاية مثل الصغر والطف ، والغافة ، والخلي ، وأبو كرية ، جميعها تؤكد على ماض بعيد ، وأمجاد شهدتها الولاية خلال القرون الماضية وبضنك العديد من المناطق الأثرية القديمة والتي تدل على عمق التاريخ الحضاري لهذه الولاية ومن هذه المناطق منطقة قميرا الأثرية التي تقع في وسط الجبال وذلك في الجهة الشمالية من ولاية ضنك حيث تبعد عن مركز الولاية ما يقارب 70 كم وقد سميت بهذا الاسم لأن الجبل الذي يقع بالقرب منها يعكس عليها ضوء القمر في الليالي المقمرة فينتشر شعاعه في ربوع المنطقة فتسمى المنطقة قمراء مضاءة بالنور فسميت قميراء حيث يوجد بها عدد كبير من الآثار التي تعود إلى العصور التاريخية القديمة ومن هذه الآثار المقابر الأثرية القديمة الشبيهة بمقابر بات في ولاية عبري ومن المناطق الأثرية منطقة الجبيل الأثرية ومنطقة البزيلي الأثرية وغيرها من الحصون والأبراج والمناطق الأثرية .الحرف والفنون تشتهر ولاية ضنك بالعديد من الحرف والصناعات التقليدية مثل حرفة النجارة والحدادة والزراعة لمختلف أنواع المحاصيل .
ويمارس الأهالي بعض صناعات سعفية ومواد بناء تقليدية إلى جانب صناعة النيل .أما فنونها التقليدية الرزحة ، العازي ، العيالة ، الميدان ، الونة ، التغرود ، فن الويلية للنساء .
أعلام وشعراء ضنك : تزخر ولاية ضنك بالعديد من الأعلام والشعراء الذين تفتخر بهم ضنك منهم الإمام أحمد بن عمر بن محمد الربخي الضنكي إمام عاش في القرن التاسع الهجري والشيخ العالم عبد الرحمن بن جيفر الضنكي والشيخ خميس بن راشد الرويشدي الضنكي عاش في القرن الحادي عشر وكان أحد العلماء الذين عقدوا البيعة للإمام ناصر بن مرشد اليعربي والشيخ أبي يعقوب محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي كان أحد علماء الدولة اليعربية البارزين أدرك عصر كل من الشيخ الإمام بلعرب بن سلطان وأخيه سيف بن سلطان والشيخ الوالي سليمان بن محمد بن ربيعة بن زيد المربوعي عالم فقيه عاش في أواخر القرن الحادي عشر وأوائل القرن الثاني عشر كان أحد العلماء الذين اجتمعوا لعقد الإمامة لسلطان بن سيف بعد وفاة أبيه وقد عينه هذا الإمام واليا على مدينة نزوى والشيخ خنجر بن علي بن غفيلة الغفيلي عاش في القرن الحادي عشر في عهد الدولة اليعربية والشيخ عثمان بن علي الشكري عاش في القرن الحادي عشر الهجري في ظل الدولة اليعربية والشيخ صالح بن سعيد بن أحمد بن صالح عاش في القرن الثاني عشر الهجري وأدرك أواخر الدولة اليعربية وخلف بن محمد بن خنجر بن سعيد بن غفيلة الغفيلي عاش في عصر أواخر الدولة اليعربية في القرن الثاني عشر للهجرة وكان يعيش في ولاية ضنك والشيخ الطبيب خميس بن سالم بن خميس بن درويش بن نمر بن راشد بن عميرة بن ثاني الهاشمي الضنكي عاش هذا العالم في القرن الثالث عشر للهجرة في عصر السيد سعيد بن سلطان اشتهر بالطب ،الشيخ نعمان بن زاهر بن سيف الفيلاني ،الشيخ سعيد بن مسعود بن صالح الربخي ، الشيخ سليمان بن علي بن مسعود المزاحمي ، الشيخ خلفان بن خالد بن خلفان الساعدي .
السياحة : حبا الله ولاية ضنك بخصب وفير ذات رياض بهيجة ... طبيعة في منظار الجميع تشغف الألباب ، جمال الطبيعة في ضنك يلوح للزائر من الوهلة الأولى بأنها مثوى للجمال ... بداية برياضها ومروراً بمناطقها السياحية التي تختطف للجمال عنفوانه ويرتدي بردة نعومته ... والزائر حينما يصل إلى ضنك يشعر وكأنه في عالم آخر عالم الخضرة والجمال والرقة ومن المناطق السياحية التي تجذب السياح للاستمتاع بمناظرها الطبيعية الخلابة منطقة ( طف ) الواقعة بين ضفتي الوادي ، وتعتبر طف من أجمل المناطق السياحية ، كما يوجد بضنك منتزه طبيعي يدعى الخرزة اذ تبدو صفحات الماء الصافية كالمرآة تنعكس في قاعها أشجار النخيل والقرط والسدر ووجه الماء والسحاب فكأنما هو لوحة فنية طبيعية يندهش المتأمل لتلك المشاهد الجميلة التي تزخر بها ولاية ضنك ومن الأفلاج في ضنك فلج السد والسيما والمحيدث وفلج دوت والطف ، وقميراء ، والرحبة ، والفتح ، والجابي ، وخطام وبها العديد من العيون مثل عين بني ساعدة وعين المسيفة ، وتتنوع المقومات السياحية بولاية ضنك لتشكل جذبا سياحيا هاما يقصده السياح للاستمتاع بهذه المقومات ومن أبرز هذه المقومات الأودية الدائمة الجريان مكانا رائعا للتخييم وتنتشر على جنبات هذه الأودية أشجار الظل مشكلة غابة وسط الصحراء ومن أشهر هذه الأودية وادي الفتح ووادي العمر ووادي خوس ووادي بجلاء ووادي السمر ووادي العفلي ووادي سالمه ووادي قميراء ، ووادي فدى من أشهر الأودية في ولاية ضنك المحفوف بالأشجار الظليلة ، ويتميز باتساع مجراه ، وعلى جانبي الوادي تنمو حقول النخيل ، وينبع هذا الوادي من بلدة ( فدى ) وبالتحديد من منطقة الخلي التي تعتبر بانحدارها الشديد مجمعا مائيا لأودية ينقل ومحسي وعنص وغيرها من الأودية والشعاب التي تنحدر مياهها من سفوح الجبال ، مكونة بذلك مخزونا جوفيا تتدفق منه مياه الوادي ، كما يتميز بوجود الجبال الشاهقة التي تضم الكثير من الكهوف والمغارات والتكوينات الهندسية الرائعة ، تضفي على الوادي لمسة جمالية أخاذة ... والزائر إلى ضنك حينما يصل وادي فدى هذه القطعة الجميلة من جغرافية بلادي يبدو عليه أنه يستحوذ على الجمال ويطبق عليه عبارة فدى ذات سحر خاص .. ووادي فدى يستقر في حضن النهضة المباركة إذ زخرفته بعطاءاتها المباركة إضافة إلى جمال الطبيعة فيه جمال عطاءات النهضة المباركة ... ويبعد وادي فدى عن محافظة مسقط 350 كيلو مترا إلا أنه مع ذلك يستحق من زائره مثل هذا المشوار البعيد بالوصول إلى وادي فدى عن طريق وادي سمائل فإزكي فنزوى فبهلا فعبري فضنك ... ليكون وادي فدى في النهاية خاتمة مطاف في لآلئ عمانية مرصعة عبر رحلة الطريق البعيد إليه فعلى امتداد الوادي تمتد غابات من الأشجار الجميلة تتخللها أشجار النخيل العالية وهي تضفي جمالاً بديعا رسمته القدرة الإلهية وأرضية الوادي تمثل في رؤية المياه العذبة الرقراقة المنسابة في جداول صغيرة محدثة بذلك خريرا هادئا علاوة على المناظر الخضراء الخلابة التي لا تنقطع ملاحظات العين لها ، وعلى امتداد ولاية ضنك يشعر الزائر وكأنه يسير في حديقة فسيحة من خمائل النخيل ومختلف أنواع الفاكهة والبساط الأخضر يمتد بامتداد البصر ، هذه ضنك لوحة جمالية بين جبال شاهقة ترفل بمكنونات طبيعية متعددة لا تنقصها سوى زيارتك أيها السائح الكريم .

المراجع : مسيرة الخير 0
* كاتب عماني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق