الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 (الإنسان في هذه الدنيا بين فريقين!!!)

كما يعلم الجميع.. أن الإنسان في هذه الحياة.. يعيش بين تيارين متعاكسين.. أو خصمين متنافرين.. أو فريقين متضادين.. { فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِير} (الشورى:7 ).. كل فريق يريد أن يجذبه إلى صالحه.. وكل فريق يأمل أن ينضم إليهم.. حتى يكثر عددهم.. فتزداد قوتهم.. وتقوى شوكتهم.. وتعظم هيبتهم.. ويستطيعوا أن يتغلبوا على الفريق الآخر بكل سهولة ويسر:
والناس كالنَّبت فمنهم رائق
غضٌّ نضير عوده مرُّ الجنا
ومنه ما تقتحم العين فإن
ذقت جناه انساغ عذباً في الَّلهى
يقوِّم الشارخ من زيغانه
فيستوي ما انعاج منه وانثنى


الفريق الأول:
حسود حقود مبغض.. لا يحب النجاح.. ويكره الصلاح.. ويبغض التفوق والفلاح.. ويحب الكسل والدعة.. والسفاهة والخلاعة.. فالميوعة ديدنه.. والفحش مذهبه.. والفساد معتقده.. والإضلال هوايته.. والدمار مسلكه.. والإيقاع أمنيته.. والتخريب فطرته.. ليس عنده للقيم مكان.. ولا للأخلاق موضع.. ولا للطهارة محل.. عربيد بالليل.. وجيفة قذرة بالنهار.. يصاحب الأشرار والفجار.. ويبغض مصاحبة الصالحين والأخيار.. يشاهد الأفلام المائعة .. ويسمع الأغاني الماجنة.. ويقرأ المجلات الخليعة.. والصحف الحقيرة.. ينصت لقول الزور.. ويحب الفجور.. مشهور بالغدر والخيانة.. ويتلذذ بالغيبة والنميمة.. هوايته الكذب والخداع.. ويكره الصدق والإبداع.. لا يؤتمن على أسرار.. ولا يخاف أي عار.. مساوئه كثيرة.. وأفعاله خطيرة.. أقواله كلها دميرة .. وأعماله معظمها شائنة.. فواحشه عليه هينة.. ويمشي في الحياة مثل البهيمة الهائمة.. منطقه فيه السقم.. وأقواله بغيضة وتتمنى لو أنه كان أبكم.. قلبه أصابه الران.. وعقله من شدة جهله أكله الزمان.. خطره كبير.. فالحذر منه واجب والتحذير.. لا يركن إليه إلا ساذج.. ولا ينجو من مكره أي ناج.. يلعب على البسطاء.. ويخشاه الضعفاء.. يخاف من الأقوياء.. ويكره العلماء.. ويبغض الخطباء.. ويتضايق من الصلحاء.. ومهما حاول الإنسان أن يأمن جانبه فلا يستطيع.. لأنه دائماً للشيطان مطيع.. يعبده بالليل والنهار.. وبه الشيطان سار..
قوم نصيحتهم غشٌّ وحبُّهم
بغض ونفعهم ـ إن صرَّفوا ـ ضرر
يميَّز البغض في الألفاظ إن نطقوا
ويعرف الحقد في الألحاظ إن نظروا


الفريق الثاني:
محب ناصح.. ودائماً مكافح.. وللخير منافح.. يخاف الله في السراء والضراء.. ويعبده في الليل والنهار.. والعشي والأسحار.. قوله يطابق فعله.. وعمله لا يخالف معتقده.. يأمل بالإصلاح والتطور.. والرقي والتنور.. يحزن عندما يعم الفساد والدمار.. وعربدة الأنذال والأشرار.. يبغض تكاسل المصلحين.. ويمقت تخاذل المتشائمين.. ويكره تحايل الجبناء.. وضعف الضعفاء.. آمر بالمعروف والإحسان.. ناه عن المنكرات والعصيان.. كلمته تأثيرها مثل السيف.. لا تخاف منه الحيف.. إذا قال فعل.. وإذا عمل أكمل.. مجلسه لا يصيبك فيه هم ولا ملل.. كلامه فيه كثير من البيان.. يحترمه كل إنسان.. ويقدره الإنس والجان.. منطقه يرد المرتاب.. لأنه صادر من أولي الألباب.. همه الأوحد الإصلاح ما استطاع.. ويأمل بالتقدم ولو باع.. يسأل الله دائماً العون والتأييد.. وأن يلهمه الرأي الرشيد.. والقول السديد.. وأن يحلل له عقدة من لسانه.. ليفقهوا قوله وبيانه.. تراه دائماً متفائلاً.. ولو هجمت عليه المصائب والمحن.. أو غدر به الخل أو الزمن.. لا ترى منه إلا الابتسامة.. ونفسه دائماً مطمئنة.. وما عند الله متمنية.. وللجنة راجية.. يصاحب الأخيار.. ويجانب الفجار.. ودائماً تجده يخشاه الأشرار.. الشيطان منه يفر.. والعدو أذيال الخيبة منه يجر.. والرب منه يسر.. يؤمن بالأمن والسلام.. ويأبى الخضوع والاستسلام.. كلامه وجيز.. أعماله تصدر من الكتاب العزيز.. مؤنس كل خليل.. ومرافق كل جليل.. إذا تكلم سمع.. وإذا أمر خضع.. وإذا نهى أطيع.. أقواله سديدة.. أفعاله حميدة.. لا تحصى ولا تعد.. ولو ذكرناها لطال بنا العد.. ونكتفي بهذا القدر.. والله الموفق لما قدر..
هم القوم إن قالوا أصابوا وإن دعوا
أجابوا وإن أعطوا أطابوا وأجزلوا
وما يستطيع الفاعلون فعالهم
وإن أحسنوا في النائبات وأجملوا
بهاليل في الإسلام سادوا ولم يكن
كأوَّلهم في الجاهلية أول


الفريق الأول:
وكما لاحظنا من حديثنا السابق .. أنه في المنكرات سابق.. وله في الفحش سوابق.. لذا فإنه لا يخاف من البوائق.. فهو يحاول جاهداً أن يقزم كل فوز.. أو أن يدمر كل إنجاز.. أو أن يهدم كل بناء وسد.. أو أن يطمس كل نصر ومجد.. أو أن يشتت كل اجتماع واتحاد.. أو أن يثبط كل مخلص وعابد.. همه الأوحد.. أن يتصيد أخطاء النبلاء.. للتشهير أمام الأعوان والجبناء.. والخلان والسفهاء.. حسداً من عند أنفسهم.. فعندما يرون الإخلاص والنجاح.. والمثابرة والفلاح.. وعدم اليأس في الإصلاح.. {عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ } (آل عمران:119).. لكن يجب على الإنسان.. أن لا يهتم بكلام العميان.. فيهملهم ولا يشغل باله.. ولو من كثرة المواقف ما هاله.. فيتركهم بسفسفاتهم.. وإذا واجههم.. يقول لهم: {مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور} (آل عمران:119) .. فهم في النهاية.. كما ذكرت الآية.. {إِن تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِن تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُواْ بِهَا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} (آل عمران:120).. فلا هم غايتهم الإصلاح.. ولا نيتهم التوفيق والنجاح.. وإنما بغيتهم هدم كل بناء.. وإفشال كل سلام.. وتدمير كل وئام..
من لم يكن عنصره طيِّباً
لم يخرج الطَّيِّب من فيه
كلُّ امرئ يشبهه فعله
وينضح الكوز بما فيه


أما الفريق الثاني :
فهو يحاول جاهداً لم الشمل.. وتجميع الصحب والأهل..وإصلاح العثرات.. ودحر المنكرات.. والنقد البناء.. الذي يؤدي إلى الارتقاء.. شعارهم..
يا نفس قومي بعد ما نام الورى
إن تعملي خيراً فذوا العرش يرى


فإرضاء الفريقين في نظري.. من الصعوبة بمكان.. ولو اتبعت كل طريقة قالها الإنسان.. من آدم إلى هذا الزمان.. لأن رضى الأول يسخط الثاني والعكس..
إذا ما كنت متخذاً خليلاً
فلا تثقن بكل أخي إخاء
فإن خيرت بين الناس فالصق
بأهل العقل منهم والحياء
فإن العقل ليس له إذا ما
تفاضلت الفضائل من كفاء


فالأول :
يريد التدهور والزوال.. والتمزق والأفول.. لكل من يخالف منهجه السقيم.. أو يسلك طريقاً غير طريقه العقيم..
من لم تكن في الله خلته
فخليله منه على خطر


والثاني :
النجاح والظهور على أعدائه.. والتفوق والاستمرار في نشر معتقده..
إن المشيب وما بدا في عارضي
صرف الغواني فانصرفت كريما
وسخوت إلا عن جليس صالح
حسن الحديث يزيدني تعليما

ورضى الناس غاية لا تدرك!!.. مهما حاولت.. وأي الوسيلة اتبعت.. أو أي منهجاً سلكت.. ولكن..
غداً توفى النفوس ما كسبت
ويحصد الزارعون ما زرعوا
إن أحسنوا أحسنوا لأنفسهم
وإن أساءوا فبئس ما صنعوا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

إضاءة :
هناك تفرعات وتصانيف ومراتب للإنسان وكما هو معلوم أن للجنة درجات وللنار دركات كذلك الإنسان تتفاوت أحواله فلا يعني أنه لا يوجد إلا هذين الصنفين في هذه الحياة الدنيا. فإلانسان إما أن يرقى بأفعاله درجات الملائكة وقد يتعداهم بفضله وإما أن ينزل إلى دركات الشياطين وقد يتخطاهم بسوئه وقد تكون هناك فئات وأقسام وتدرجات بين هذين الصنفين والإنسان ليس كله خير محض وإلا أصبح ملك من الملائكة يمشي على الأرض!! ـ إلا المعصومين الذين عصمهم الله ـ وليس كله شر محض وإلا أصبح شيطان من الشياطين!! ولكن تارة تغلبه نفسه الأمارة بالسوء ويجره الهوى وتطغيه المادة وتعميه الحياة الدنيا فيؤثرها على الآخرة فتجره إلى دركات الشياطين بأفعاله ويصبح من زمرتهم ـ وتكون مرتبته حسب سوئه وإفساده وطغيانه فكلما عظم إفساده وعم ضرره وكثر طغيانه كان في أقصى الدركات ـ وتارة يستفيق من غفلته ويعود إلى رشده فتسموا نفسه وتصطلح أحواله فيرتقي إلى درجات الملائكة ويصبح من حزب الله ـ وتكون مرتبته حسب عبادته وإخلاصه وطاعته لله .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق