الثلاثاء، 15 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( إني مصاب بفيروس!!!)

لي صاحب من خيرة الأصحاب.. أكتم عنده أسراري ولا أخاف الارتياب.. كأني واضعها في سرداب.. لأنه من أولي الألباب.. الشيطان لا يقدر أن يفتح عنده باب.. وكان إذا ألم بي ألم.. أو اعترضني هم.. فزعت إليه على عجل.. وأنا من الأمر وجل.. فأرتوي بنصحه.. وأمتثل لرأيه.. لأن فيه الحكمة والسداد.. وفيه من جميل النصح والإرشاد..
وإذا تصبك من الحوادث محنة
فالجأ بها نحو الصديق الأوثق
وكان لا يفارقني إلا في المنام.. ولكن فراق جسد لأنه دائماً في الأحلام.. حيث روحي دائماً به متعلقة.. ونفسي لا تقدر أن تبتعد عنه لحظة إلا بمشقة.. واللسان من محبته يهذي به.. والقلب من الوله يلهث بذكره.. وأصبحنا مثالاً للصديقين.. وأفضل الأخوين.. لا تعكر جونا المصائب.. ولا نخاف أن يعيبنا عائب..
ما ضاع من كان له صاحب
يقدر أن يصلح من شأنه
فإنما الدنيا بسكانها
وإنما المرء بإخوانه
ولكن في يوم من الأيام.. بعد أن استيقظت من المنام.. ذهبت كعادتي إلى صديقي.. ورفيق دربي وطريقي.. ولكن هالني ما رأيت .. وآلمني ما سمعت .. فقد تغير صاحبي عن الشكل المعهود.. وصارت نفسه تمل معي القعود.. فكلما أذهب إليه أعرض عني.. وكلما أقبل نحوه هرب مني.. لا أدري ما الذي حل به.. وما الأمر الذي أصابه.. وغير هكذا حاله..
كنا وكانوا بأهنا العيش ثم نأوا
كأننا قط ما كنا وما كانوا
هل أتاه فاسق بنبأ وأخبره أني فضحت سره؟!.. أو أنه قال له إني قد شتمته؟!.. أو توقع مني أني خنت عهده؟!.. أو هتكت ستره؟!..
لأية علة ولأي حال
صرمت حبال وصلك عن حبالي
وعوضت البعاد من التداني
ومر الهجر من حلو الوصال
فإن أك قد جنيت عليك ذنباً
ولم أشعر بقول أو فعال
فعاقبني عليه بأي شيء
أردت سوى الصدود فما أبالي
المهم أنه أصبح عنوانه الصد والهجران.. وصرت من أمره حيران.. فقد أوصد الباب في وجهي.. وأشاح بوجه عن وجهي.. وقال هيهات هيهات يا صاح.. فقد انتهى عصر أيام الملاح.. فهذا فراق بيني وبينك.. لا أريد أن أرى وجهك.. وقد حاولت أن أكتشف الأمر.. واستطلع ما جد من أمر..
لا تحسبنَّ سروراً دائماً أبداً
من سرَّه زمن ساءته أزمان
ولكني لم أفلح.. وفي مسعاي لم أنجح.. فكلما أفتح عنده باب.. أغلق دوني أبواب.. وكلما أتقرب إليه بشبر.. هرب عني بمتر.. فأصابني من كثرة الحزن والهم.. مغص أحدث في بطني ألماً كأني أكلت سم.. لهذا لم أذق طعم النوم.. فشكوت همومي للغراب والبوم.. حيث كانا يقفان أعلى الشجرة.. في ليلة مظلمة غير مقمرة.. بعد أن ساورتني الشكوك والظنون.. والتي صرت من كثرتها أحس أني أتكلم وأنا في النوم.. لكنهم لم يقدرا أن يرشداني إلى حل.. ولم يخبراني ما العمل؟!.. وجئت من عندهم محزون.. وأحسست أنه قد أصابني الجنون.. بعد أن أهلكني كثرة الوسواس.. والذي يقف دائماً بالمرصاد للناس.. وأعياني انشغال الفكر.. لكني استعذت منه بذكر.. وقعدت أبحث عن حل.. حتى عقلي مني قد مل..
صديقك حين تستغني كثير
ومالك عند فقرك من صديق
فلا تنكر على أحد إذا ما
طوى عنك الزيارة عند ضيق
وكنت إذا الصديق أراد غيظي
على حنق أشرقني بريق
غفرت ذنوبه وصفحت عنه
مخافة أن أكون بلا صديق
لقد ساءت العلاقة.. وأصابت عملي الإعاقة.. فجلست في داري حيران.. ولم أذهب حتى مع الجيران.. فتذكرت ما كان بيننا من الود.. وكنا كمثل ساعد ويد.. وكنا نسافر الأسفار.. ونعبر المحيطات والبحار.. ونقطع الفيافي والقفار.. ونقتحم الغابات والأدغال.. ونصعد التلال والجبال.. فيا ليت أيامنا القديمة تعود.. إذن لكانت الفرحة تسود..
وما المرء إلا بإخوانه
كما تقبض الكف بالمعصم
ولا خير في الكف مقطوعتاً
ولا خير في الساعد الأجذم
وتمر الأيام والشهور.. وأنا أبحث عن ما يجلب له السرور.. وفي إحدى المرات وجدته حزيناً.. والوجه منه كالح كئيب.. فاستنتجت أن أحداً من أهله قد مات.. أو أنه كان يفكر في الزمان الذي فات.. فدعوت الله اللطف بحاله.. وأن يحفظه هو وماله.. فاقتربت منه وأنا على وجل.. وكلي خوف من سوء العمل.. ولما رأيته لم يغضب لقدومي.. ولم يعبس لرؤية وجهي.. شجعني على الكلام.. وإخراج ما في عقلي من استفهام.. ودار في فكري..
وكنت أظن أن جبال رضوى
تزول وأن ودك لا يزول
ولكن القلوب لها انقلاب
تزول وأن ودك لا يزول
فقلت له : سلام الله عليك يا خل.. جفاك أبداً لا يحل.. هذه الدنيا غدارة.. فيها أيام سارة وضارة.. ولا تستحق أن نحرق فيها الأعصاب.. ولا أن نمزق من أجلها القلوب..
ولربَّ نازلة يضيق بها الفتى
ذرعاً وعند الله منها المخرج
ضاقت فلما استحكمت حلقاتها
فرجت وكان يظنها لا تفرج
واعذرني على صراحتي في الكلام.. لأني في فعلي هذا لا ألام.. مالي كلما أقبلت إليك أعرضت.. وكلما أردت أن أقابلك أدبرت.. فكأني الوباء وتخشى الخطر.. أو كأني رجل خداع لا أومن من المكر.. فماذا دهاك يا صاح؟!!.. ألم تكن بصحبتي مرتاح؟!.. وما هذا الانقلاب العجيب؟!.. وما هذه القسوة والغضب؟!.. بعد أن كنت سهل العريكة لين الجانب.. أسمعت عني خبراً.. فأصابك منه الضجر.. أم ماذا جد من أمر؟!..
فهبني مسيئاً كالذي قلت ظالماً
فعفواً جميلاً كي يكون لك الفضل
فإن لم أكن للعفو منك لسوء ما
أتيت به أهلاً فأنت له أهل
فقال بعد أن أعياه الإلحاح.. وكان من قولي قد ارتاح.. سامحني يا صاحبي الغالي.. فلم يكن يخطر في بالي.. أن أضعك في هذا الموقف المؤلم.. وتوقعت أن هروبي هو الأسلم.. فإني لم أعرض عنك سوءاً فيك.. ولا لذنب قد اقترفته يداك.. وليس بقول ساقه فلان.. ولا بسبب كثرة الخلان.. ولا أصابني منك الملل.. ولا أصيب أحد من الأهل..
إن الصفا في شرب كل مودة
لم يخل من كدر لمن هو وارد
فقلت له : لقد حيرتني معك يا صاح.. ما الذي يجعلك غير مرتاح؟!.. أخبرني على عجل.. فقد بدأت الأمور تصيبني بالملل.. منذ فارقت صحبتي.. فإني أعيش وحيداً في نكبتي.. فأستحلفك بالله أن تخبرني الحقيقة.. ولا تخفي علي لعلي أجد الطريقة..
فكل الحادثات وإن تناهت
فموصول بها فرج قريب
لقد كان هروبي عنك حرصاً على سلامتك.. وتهربي منك خوفاً على صحتك.. والله أنت في قلبي ولك معزة وقدر.. وحبك في القلب يحوي ما عند البشر..
لله إخوان صحبتهم
لا يملكون لسلوة قلبا
لو تستطيع نفوسهم بعدت
أجسامهم فتعانقت حبا
ولكني ابتليت بفيروس.. وعلى إثره أصابني العبوس.. لقد أكل اللحم والعظم.. ومن شدته سد مجرى الدم.. الأجساد منه بالية.. والفؤاد من هوله يصرخ ماليه.. قد صار جسمي إلى الهزال.. وإذا رأيتني تعتقد أني قد أصابني الهبال.. لا أدري ما العمل.. حاولت أن أبحث عن الحل.. لكني لم أجد العلاج.. وعقلي من شدة المرض قد ماج.. ففكرت في الانتحار.. ولكني خفت العار.. وأن يرميني ربي في النار.. ثم فكرت في الاختباء.. حتى لا تعلم بالبلاء.. لكي لا أكدر صفوك.. ولا أوأد جمال ابتسامتك.. فهذا كان سبب هروبي.. ولو لم تطلب مني الإفصاح.. حتى أجعلك ترتاح.. لم أخبرك بمرضي.. وما أعانيه من الآلام التي تسري في جسدي.. فأرجو منك العفو السماح.. عن كل أمر بدر مني وراح.. وبعدما تذكرت قول الشاعر..
ليس من مات فاستراح بميت
إنما الميت ميت الأحياء
إنما الميت من يعيش كئيباً
كاسفاً باله قليل الرجاء
فقلت له : سامحك الله يا خل.. ما هذا العمل الذي لا يحل.. ألهذا الدرجة تكون الصداقة.. لو أخبرتني لساعدتك حسب الطاقة.. أتكون الصداقة في المسرة.. وتنتهي عند وقوع المضرة.. هذه صداقة اللئام..لا يرضاها الإسلام..
ولست بباد صاحبي بقطيعة
ولست بمفش سره حين أغضب
عليك بإخوان الثقاة فإنهم
قليل دون من كنت تصحب
وما الخدن إلا من صفا لك وده
ومن هو ذو نصح وأنت مغيب
والحمد لله على الإنابة.. وخروجك من جو الكآبة.. وأدعو الله بشفائك العاجل.. وأن يبعد عنك الهموم والملل.. فهو يسمع ويجيب.. لكل عبد منيب.. ونصيحتي من الفؤاد لك.. أن لا تعود لمثل ذلك.. فوالله قلبي لا يحتمل فراقك.. وعقلي لا يستطيع هجرانك.. هذا ما أردت أن أقول.. فاعذرني إذا كان عذري مقبول.. وأختم كلامي بالسلام على خير البشر.. وآله وصحبه الكرام البرر.. سبحان رب العزة عما يصفون.. وسلام على المرسلين.. والحمد لله رب العالمين.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..
شيئاً لو بكت الدماء عليهما
عيناي حتى تأذنا بذهاب
لن تبلغ المعشار من حقيهما
فقد الشباب وفرقة الأحباب



ملحوظة :
هذا المقال.. تخليداً لذكرى (الكمبيوتر) الخاص بي والذي أصابته المنية بسبب فيروس عضال قضى على مقومات الحياة فيه كما قضى معه على جهد وعمل شاق وملفات لا تقدر بثمن فهي تمثل فترة زمنية من حياتي..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق