الأحد، 13 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( مقدمة)

بسم الله الرحمن الرحيم

المقدمة..

الحمد لله الذي علم بالقلم.. وخلق الإنسان من عدم .. وعلمه ما لم يعلم .. وهداه إلى الطريق الأقوم.. وأشهد أن لا إله إلا الله .. وحده لا شريك له.. خاطب نبيه بقوله :{ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } (النحل : 125).. والصلاة والسلام على المعلم الأعظم.. والرسول المبلغ.. إمام الدعاة إلى الله.. الذي دعا إلى الله على بصيرة .. والذي اصطفاه ربه لتبليغ آخر الشرائع.. فانتشل الناس من ظلمات الشرك إلى نور الإيمان.. ومن جحيم الجاهلية إلى جنة الإسلام.. وهداهم إلى صراط العزيز الحميد.. فبلغ الرسالة.. وأدى الأمانة.. وأرشد ووعظ.. وأرسى قواعد الدين.. ودعا إلى سبيل ربه بالرفق واللين.. وبالحكمة والموعظة الحسنة.. وبالتي هي أحسن.. حتى أتاه اليقين.. اللهم صل وسلم وبارك عليه.. وعلى آله وأصحابه.. وكل من دعا بدعوته.. واستن بسنته.. وسار على نهجه.. إلى يوم الدين.. أما بعد

قول من التعجب ليت شعري

أأيقاظ أمية أم نيام
فإن كانوا لحينهم نياماً
فقل قوموا فقد حان القيام

***************

أخوتي القراء.. إن الدعوة إلى الله.. وتبليغ الدين الحنيف.. ضرورة ملحة.. وأمانة ثقيلة.. وواجب ضخم.. لأن الشرائع والعقائد لا تقوم بنفسها.. بل لابد لازدهارها من رجال.. يخلفون الرسل والأنبياء في الحفاظ عليها.. حتى يحفظوها من تيارات الزيف.. وسيول الشبهات.. وعبث العابثين.. وضلالات المنتحلين.. والتي لا يخلو منها عصر من العصور.. ولا أمة من الأمم.. ولا مجتمع من المجتمعات.. والإسلام خاتم الشرائع السماوية.. ودعوته دعوة تتسع لكل الآفاق.. ولكل العصور والأماكن.. فيصلح لأي زمان.. ولأي مكان.. ولأي مجتمع أو جنس.. عكس ما يدعيه المغلظون الحاقدون.

فقل للعيون الرمد للشمس أعين
تراها بحق في مغيب ومطلع
وسامح عيوناً أطفأ الله نورها
بأهوائها لا تستفيق ولا تعي

****************

أخوتي في الله.. لقد حملت الأمة الإسلامية من بداية نشأتها.. أمانة الرسالة.. وتبليغ الكلمة.. وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم .. واصل الصحابة ما انتهى إليه الرسولصلى الله عليه وسلم .. طاعة لما أمرهم الله تعالى به في قوله : { وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ } (آل عمران:104، 105).. وطاعة لما حض عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم :<< لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم >> (صحيح مسلم[2406] ج4 ص1872).. فأخذوا يبلغون عنه رسالته ولو كانت آية.. وينشرون منهجه وعقيدتـه ولو على إثرها واجهوا المصائب والصعاب.. أو واجهوا القتل أو العذاب.. لما علموا من الأجر العظيم لمن يفعل ذلك.. والثواب الجزيل لمن دعا إلى الله على بصيرة.. وقال إني من المسلمين..

أمة أمهرت المجد النفوسا
بذلت للدعوة الكبرى الرءوسا


يقول عبدالله بن مسعود : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : << نضر الله امرأ سمع منا حديثاً فبلغه كما سمعه فرب مبلغ أوعى من سامع >> (صحيح ابن حبان [66] ج1 ص268).. وكان صلى الله عليه وسلم يعلم الوفود التي تأتيه.. الإسلام.. ويأمرهم بتبليغه إلى من وراءهم.. حيث كان يقول لهم : << أحفظوه وأخبروه من وراءكم >>(صحيح ابن حبان [172] ج1 ص396) .. وبناء على التوجيه النبوي الكريم.. قام المسلمون على اختلاف أزمانهم وبيئاتهم وثقافتهم.. بتبليغ هذه الدعوة.. بكل طريق مستقيم يعرفه البشر.. وبشتى الوسائل والأساليب..

ما الفخر لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حياً به أبداً
والناس موتى وأهل العلم أحياء


****************

أيها الأخوة الأفاضل.. الدعوة إلى الله .. والدعوة إلى الخير.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فرض حتم على المسلم.. فرداً كان أو جماعة.. وليست مقصورة على الرجال دون النساء.. ولا مقصورة على الشباب دون الكهول.. ولا مقصورة على الأصحاء دون المرضى.. ولا مقصورة على الأغنياء دون الفقراء.. ولا مقصورة على الأحرار دون العبيد.. فالدعوة ليست مقصورة على أحد دون غيره.. وإنما على الجميع الدعوة إلى الله.. والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..قال صلى الله عليه وسلم << والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا منه ثم تدعونه فلا يستجاب >> (سنن الترمذي[2169] ج4 ص468)..

أخو العلم حي خالد بعد موته
وأوصاله تحت التراب رميم
وذو الجهل ميت وهو ماش على الثرى
يظن من الأحياء وهو عديم


لقد ميز الله سبحانه وتعالى هذه الأمة.. عن بقية الأمم والحضارات بالخيرية.. فهي تعتبر خير أمة أخرجت للناس.. وهذه الخيرية التي حازتها.. هي بسبب قيامها بوظيفة الدعوة إلى الله.. في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. وهي من أخص أوصاف المؤمنين حيث قال تعالى: { كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ } (آل عمران : 110).. وقال سبحانه وتعالى:{ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَـئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة : 71).

لا دار للمرء بعد الموت يسكنها

إلا التي كان قبل الموت يبنيها

فإن بناها بخير طاب مسكنه

وإن بناها بشر خاب بانيها


كذلك ليست الدعوة إلى الله مقصورة على المواعظ والخطب.. وليست مقصورة على المجلات والكتب.. ولا على الأشرطة والزيارات.. ولا مقصورة على الأمسيات والمنتديات.. وإنما كل ما يوصل إلى الله.. وإلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فهو يعتبر دعوة.. وطريقة من طرقها.

وما استعصى على قوم منال
إذا الإقدام كان لهم ركابا

***************

أخوتي في الله .. هذا الكتاب الذي سميته بـ" حدائق ذات أفنان".. يجمع من شتى ثمار العلم.. وأشجار المعرفة.. ورياحين الأدب.. ويحوي بين طياته كل فن.. فقد جمعتها من حدائق الثقافة.. وبساتين المعرفة.. وهو جامع أيضاً لمعظم ما خطر في ذهني.. وما استقر عليه بالي.. وما جاشت به نفسي.. وما حدثني به عقلي.. فكلما ألمت بي فكرة بادرت بتسطيرها.. وكلما لمح في مخيلتي طيف مسألة هرولت إلى قلمي لتسطيره.. وكلما تعرضت لموقف أسرعت إلى تسجيله.. وأعلن موقفي الثابت تجاهه.. وكلما رأيت خطأ أو زلة.. شحذت قلمي.. وأعلنت النفير.. وأطلقت التحذير.. وأحياناً أكون على مشارف النوم فتطوف قضية ما في ذهني .. فأفزع إلى قلمي قبل شرود الأفكار.. فأبدي رأيي فيها.. وأعلن مبدئي تجاهها.. وربما أعجبتني الخاطرة وأنا أمشي.. فأقف وأكتب بدايتها.. ثم لما أصل إلى البيت أكمل ما تبقى.. حيث من عادتي حمل ورقة وقلم.. أينما كنت وحيثما ذهبت.. لأنه قد حدث لي موقف ظريف.. ففي يوم من الأيام.. كنت أمشي في الطريق ذاهباً إلى المسجد.. فجال في خاطري طيف.. فأعجبني.. فبحثت في جيبي عن ورقة.. حيث كنت من عادتي أن أحمل قلماً.. فلم أجد أي ورقة.. والتفت يمنة ويسرة فلم أجد أيضاً.. وخفت أن يذهب الطيف.. ولا يعود مرة أخرى لما رأى مني هذا الحيف.. فما وجدت السبيل أمامي.. إلا صندوق للمحارم الورقية.. قد أكل الزمن منه وشرب.. حتى أن جسمه قد رق.. من كثرة الضرب والدق.. فكتبت فيه ما ألم بي من خاطرة.. وأزحت من نفسي هم فقدان الخاطرة.. ومن ذلك الوقت.. قررت أن لا أذهب إلى أي مكان.. إلا والورقة والقلم في جيبي لا يفترقان.. حتى لا أفاجأ مرة أخرى بزائر.. فأقعد بعد ذلك حائر.. لهذا أصبحا من أعز ندمائي.. وفي الأسفار لا يفارقاني..

قيد بخطك ما يبديه فكرك من
نتيجة تعجب الحذاق والفضلا
فما نتائج فكر المرء بارزة
في كل وقت متى ما شاءها فعلا

*****************

أيها الأخوة الأعزاء.. إني لم أقصد في كتابي هذا.. التهجم على طائفة معينة.. أو التهكم على شخص بذاته.. أو السخرية من فئة.. ليس هذا مقصدي.. ولا هذا هدفي..

وليعلم الجميع.. أني عندما أتكلم عن المصلحين.. فإني أقصد كل المصلحين عامة.. أينما كانوا.. وفي أي بلد استقروا.. وسواء كانوا في العصور الماضية.. أو في العصر الحديث.. وإذا تكلمت عن المفسدين والعصاة والفساق.. فإني أقصد كل المفسدين والعصاة والفساق.. في شتى بقاع الأرض.. أينما كانوا.. وفي أي بلد حلَّوا.. في القديم والحديث.. فالفساد واحد.. والمنكر منكر.. لا تغيره الأزمان والبلدان.. ولا تبدله الأجناس.. وقد تتجدد طرق الإفساد والإضلال.. حسب التطور والتقدم.. ولكن يبقى الفساد هو الفساد.. وإنما تغير الشكل وبقى المضمون ثابتاً على حاله.. هذا ما أردت أن أنبه عليه.. حتى لا يفهم المقال فهماً خاطئاً .. والله من وراء القصد.

المرء بعد الموت أحدوثه
يفنى وتبقى منه آثاره
فأحسن الحالات حال امرئ
تطيب بعد الموت أخباره

**************

أخوتي في الله : ها أنا أترككم لتستمتعوا بـ"حدائق ذات أفنان" الجزء الأول.. ولتتفسحوا في ربوعها.. ولتستنشقوا من هوائها العليل.. فقد مهدتها للجادين في السفر.. فيها مياه نابعة تغذي العطاشى.. وأشجار فارعة يستظل تحتها المرهقين.. وأثمار يانعة يتغذى منها الجائعين.. وفواكه يتلذذ بها المحرومين.. وأزهار تحيي نفوس المتشائمين واليائسين.. وفيها ظل ظليل للعابرين.. ونسيم عليل للمرضى والمبتلين.. ففيها أصناف الفواكه والخضروات وأنواع الأشجار والأزهار.. فيها رياحين الأخلاق والسلوك.. وفيها أنهار الحياء والمكارم.. وفيها ترياق القلوب.. وفيها رحيق النفوس.. وفيها ثمار العقول.. وفيها أزهار العلوم.. وفيها سندس واستبرق الأجساد.. فيها مطايا للقاصدين إلى الدار الآخرة.. وتحوي على ينابيع المعرفة.. وجداول الحكمة.. ويظم بين جنبيها شذا الأرواح وبلسمها.. وأشجار الآداب والقيم ورونقها.. فيها كل نفيس شهي.. ولذيذ طلي.. فيها آيات من القرآن.. وهدي النبي العدنان.. فيها مآثر الصحابة والتابعين.. فيها حكم ومواعظ الحكماء والصالحين.. ترويحاً للنفس.. وجلاء للذهن فلا يمل القراءة.. وإنما ينشط ويسارع إليها بنهم ومحبة.. ويستوعب ما في الكتاب من توضيح فكرة أو عرض رأي.. وغايتي من ذلك أن يجد كل امرأ ما يحبه ويبتغيه.. فالمسترشد بالدين يجد نصيبه.. وطالب الخلق الكريم يجد نصيبه.. وعاشق الأدب الجميل يجد نصيبه.. والراغب في تكميل نفسه يجد نصيبه..

ورصعت فيه الدرر حتى تركته
يضيء بلا شمس ويسري بلا قمر
فعيناه سحر والجبين مهند
ولله در الرِّمش والجيد والحور

كما ضممتها ببعض أبيات من المواعظ والحكم زيادة في الفائدة وزيادة في الفهم ولمحبي هذه اللون الجميل :

أهزُّ بالشعر أقواماً ذوي وسن
في الجهل لو ضربوا بالسيف ما شعروا
عليَّ نحن القوافي من مقاطعها
وما عليَّ لهم أن تفهم البقر

***************

أخوتي.. عسـى ربــي أن ينفعنـي بمـا كتبـت.. ويغفـر لي أخطائي وزلاتـي.. ويرحمني من ذنوبي وسيئاتي.. ويهدني إلى الطريق الأقوم.. ويفك رقبتي من النار.. وعسى أن ينتفع قارؤوا هذه الحدائق بمـا سطرت.. ويتناسوا زلاتي وهفواتي.. ويصلحوا ما بدر فيها من خلة.. ويقوموا ما وجدوا فيها من اعوجاج..

وحسبي الله.. عليه توكلت.. وإليه أنيب.. إنه سميع قريب مجيب الدعاء.. ربي اغفر وارحم.. وتجاوز عما تعلم.. ووفقنا للعمل بما نعلم.. ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم..

يريد المرء أن يعطى مناه
ويأبى الله إلا ما أراد
يقول المرء فائدتي ومالي
وتقوى الله أفضل ما استفاد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ..
أخوكم:
فارس الكلمة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق