الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( مقولة عجيبة)

نسمع كثيراً من الناس.. الذين لا هم لهم إلا التقليد والإتباع.. وينساقون مثل العبيد وراء كل ثرثار وناعق.. وترديد الكلام المبهم الغامض.. الذي لا طائل ولا جدوى منه.. حتى أنك في كثير من الأحيان تجدهم أنهم لا يعرفون ما معناه.. ولا المقصود من فحواه.. أو الجري وراء الشعارات البراقة.. والعبارات الخادعة.. والحيل الملتوية.. والجمل المفبركة.. يتحدثون عن مقولة.. عجيبة وغريبة في آن واحد.. وهو بأن العالم.. أصبح في زماننا هذا.. كبيت صغير.. فساكن الغرب يسمع ويرى ما يحدث في الشرق.. والعكس.. وهذا طبعاً ما جلبته الحضارة الغربية.. من تطور وتكنولوجيا.. وقد بهرت تلك الحضارة كثير من أصحاب العقول.. الذين ضعفت عزيمتهم.. ورق إيمانهم.. فأخذوا يسارعون الخطى.. ويجدون في السير.. للنهل من تلك الحضارة.. فانساقوا إليها بدون وعي.. وأخذوا يغترفون من مائها بدون تفكير.. معتبرين أن المنبع واحد.. ومعتقدين أن كل الماء حسنت مشاربه.. فلا ينبغي أن نثير نقطة اختلافنا في المنهج والمعتقد والسلوك.. وأصبحوا لا يفرقون بين الماء الزلال والماء العكر.. مادام يأتي من تلك الحضارة.. فهو مضمون المصدر.. عالي الجودة.. حتى لا يفوتنا قطار التطور.. وحتى لا تسبقنا تلك الحضارة بمراحل.. وبهذا انخدعوا في اللهث والجري وراء التطور بدون هدى.. وانغشوا في جودة السلعة.. لأنهم لم يتأكدوا من جودة المصنّع..
ليس البلية في أيامنا عجب
بل السلامة فيها أعجب العجب
والحقيقة تقال.. لقد بهرتني تلك الحضارة.. بتطورها ومثابرتها.. بنظامها وأسلوبها.. بعلمها واختراعاتها.. بجدها ويقظتها.. ولكن لم تبهرني في شخصيتها وسلوكها.. حيث أنهم أصبحوا كالآلة.. لا هم لهم إلا الإنتاج.. ولا شغل لهم إلا المال.. فالكرامة هناك مهدرة.. والقيم والأخلاق عندهم مرفوضة .. والتفسخ والعري من الأمور المسموحة.. والستر والعفة من الأمور الممنوعة..
من لم يكن عنصره طيباً
لم يخرج الطيب من فيه
كل امرئ يشبهه فعله
وينضح الكوز بما فيه
ولا أخفي عليكم.. بأني قررت في يوم من الأيام.. أن أدخل هذا البيت الصغير.. لأتيقن من صدق هذه المقولة.. ومن صدق ما روي عنهم.. فأصابتني الدهشة والمفاجأة.. إذا لم يعلموني أيضاً أنه يحتوي على سراديب ومتاهات.. إذا دخل شخص غريب فيه.. فلن يستطيع الخروج منه سالماً معافى.. ولكن لو صدقوا لقالوا.. بأن العالم أصبح سجن كبير وبه زنزانات كثيرة تكبر وتصغر حسب أهواء السجانين.. لكان أصح في المعنى.. وأدق في التعبير.. ولا يقدر أن يتنفس منها الشرفاء الأحرار؟!!!
خذوا كل دنياكم واتركوا
فؤادي حراً طليقاً غريباً
فإني أعظمكم ثروة
وإن خلتموني وحيداً سليباً

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق