الاثنين، 14 سبتمبر 2009

حدائق ذات أفنان ج1 ( سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين!!!)

كلمة قال أو قيل أو يقولون.. تفسد القلوب.. وتشتت الأرواح.. وتفرق الجماعات.. وتمزق الأسر.. وتدمر المجتمعات.. وتقضي على الأمم والحضارات .. وتهتك الأعراض والحرمات.. وتستبيح المحرمات.. وتأتي بالأخطاء للفضلاء والنبلاء.. وتستحدث الخصومات حتى بين العقلاء.. وتفتعل المعارك التي لا يسلم منها الحكماء.. بدون أن يكون لها أساس.. ولا داعي لذكرها..
نزِّه لسانك عن قول تعاب به
وارغب بسمعك عن قيل وعن قال
لا تبغ غير الذي يعنيك واطرح
الفضول تحيا قرير العين والبال
وقد نهانا الرسول صلى الله عليه وسلم من الاقتراب من حماها.. أو التلذذ بذكرها.. حتى نسلم من شرها.. أو الوقوع في شراكها.. أو الاكتواء بنارها.. حيث قال : << كفى بالمرء كذباً أن يحدث بكل ما سمع>>(صحيح مسلم [5] ج1 ص10).. فهذا الحديث الشريف.. رادع لكل إنسان.. تسول له نفسه نقل الأخبار.. دون أن يتيقن من صحتها.. أو يتأكد من صوابها..
أن الذي أهدى إليك نميمة
سينم عنك بمثلها قد حاكها
وليت كل من يؤتى له بخبر.. أو جاءه فاسق بنبأ.. أن لا يستعجل في الحكم.. ويتريث قليلاً.. ويقول للذي أتاه بالنبأ : { سَنَنظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنتَ مِنَ الْكَاذِبِينَ } (النمل: 27)..عند ذلك.. لا يتجرأ أكلة اللحوم.. والمتاجرين بالأعراض.. من أن يحوموا حوله.. أو يغتابوا في مجلسه.. أو ينموا في حضرته..
والصدق من شيمة أهل الكرم
قد أمر الله به ذو العظم
والكذب فهو شيمة اللئام
فلا يجوز كذب الأنام
وبعد أن صارت الغيبة والنميمة.. فاكهة كثير من المجالس.. والولوغ في أعراض المسلمين.. من الأمور المحببة في النفوس.. تبتهج بها النفوس المريضة.. تتلذذ بها الألسن السقيمة.. وتفرح بذكرها الآذان المعتلة..
أحب مكارم الأخلاق جهدي
وأكره أن أعيب وأن أعابا
وأصفح عن سباب الناس حلماً
وشرُّ الناس من يهوى السبابا
ومن هاب الرجال تهيبوه
ومن حقر الرجال فلن يهابا
واترك قائل العوراء عمداً
لأهلكه وما أعيا الجوابا
وبرغم أن الله سبحانه وتعالى.. قد نهى عن ذلك.. ونفر عباده منه.. ومثَّله بصورة كريهة قبيحة.. قذرة عفنة.. تتقزز منها النفوس السليمة.. وتأباها الفطر السوية.. فقال عز وجل : { وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ } (الحجرات: 12)..
يعيب الناس كلَّهم الزمانا
وما لزماننا عيب سوانا
نعيب زماننا والعيب فينا
ولو نطق الزمان إذا هجانا
ذئاب كلُّنا في زي ناس
فسبحان الذي فيه برانا
يعاف الذئب يأكل لحم ذئب
ويأكل بعضنا بعضاً عيانا
وقد بين معناها النبي صلى الله عليه وسلم في سيرته الطاهرة.. ووضحها أيما توضيح.. فعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : <<أتدرون ما الغيبة؟>> .. قالوا: الله ورسوله أعلم.. قال: << ذكرك أخاك بما يكره >> .. قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟!.. قال: << إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته.. وإن لم يكن فيه فقد بهته >> (صحيح مسلم [2589] ج4 ص2001)..
أحب الفتى ينفي الفواحش سمعه
كأنَّ به عن كل فاحشة وقرا
سليم دواعي الصدر لا باذلاً أذى
ولا مانعاً خيراً ولا قائلاً هجرا
فالغيبة إذن ذكر أخيك بما فيه مما يكرهه.. سواء كان في بدنه أو دينه.. أو دنياه أو نفسه.. أو أخلاقه أو خلقه.. ولها صور متعددة.. منها أن يذكر عيوبه.. أو يحاكي تصرفاً له.. على سبيل التهكم والمزاح..
أيا من عاش في الدنيا طويلاً
وأفنى العمر في قيل وقال
وأتعب نفسه فيما سيفنى
وجمَّع من حرام وحلال
هب الدنيا تقاد إليك عفواً
أليس مصير ذلك للزَّوال

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق