<< فإن خير الحديث كتاب الله.. وخير الهدي هدي محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. وشر الأمور محدثاتها.. وكل بدعة ضلالة>>(صحيح مسلم [867] ج2 ص592).. هذه الكلمات.. كان يرددها رسول الله صلى الله عليه وسلم .. على ملأ من أصحابه.. ليرسخ في نفوسهم.. جذور الدين.. ويرسخ فيهم العقيدة الحقة.. وليقطع صلاتهم بكل العادات والتقاليد الجاهلية.. التي تخالف هديه عليه أفضل الصلاة والتسليم..
من كان يرغب في النجاة فما له
غير إتباع المصطفى فيما أتى
ذاك سبيل المستقيم وغيره
سبل الغواية والضلالة والردى
والبدعة.. وكما هو معلوم.. هي أمر غير مألوف في العادة.. يحدث في المجتمع.. ويكون المتسبب فيه.. شخص أو مجموعة من الأشخاص.. فيسمى على إثر هذا بالبدعة.. سواء كان الأمر حسناً أو سيئاً.. فجميع الأمور المحدثات.. سواء كانت في العبادات أو في المعاملات.. أو في غير ذلك من الأمور التي لا تمت بالدين.. تسمى بدعة..
لم يفتإ الناس حتى أحدثوا بدعاً
في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم
وفي الذي حملوا من حقه شغلوا
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: << من سن في الإسلام سنة حسنة.. فله أجرها وأجر من عمل بها بعده.. من غير أن ينقص من أجورهم شيء.. ومن سن في الإسلام سنة سيئة.. كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده.. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء >> (صحيح مسلم [1017] ج2 ص704)..
فهذا الحديث الشريف.. يدل دلالة واضحة جلية.. على أن ما يأتيه الناس.. من أقوال وأفعال.. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليس كله من البدع السيئة.. كما يزعم بعض الناس.. بل منه ما هو حسن يؤجر قائله وفاعله عليه.. ومنه ما هو سيئ يأثم قائله وفاعله..
يا مدعي حب طه لا تخالفه
الخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته
وتترك البعض تدويناً وتهويناً
خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به
أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا
وخلاصة الأمر..أن المحدثات من الأمور ضربان :
أحدهما :
ما أحدث مما خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً ثابتاً.. فهذه البدعة.. هي الضلالة التي يحكم بإثم قائلها أو فاعلها.. وعليها يحمل حديث : << وكل بدعة ضلالة >> (مسلم [867]) ..
والثاني :
ما أحدث من الخير.. وهذا غير مذموم.. بل محمود.. يؤجر قائله أو فاعله.. وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : << من سن في الإسلام سنة حسنة>> (مسلم[1017])..
إن المشكلة الحقيقية التي تواجه المجتمع أو الأمة الإسلامية.. إذا كانت هذه البدعة.. تخالف الدين والمعتقد.. وتسري في المجتمع سريان الدم في جسم الإنسان.. دون أن يتصدى لها أو يعترض سبيلها.. أصحاب العلم أو رجالات الفكر.. وحملة الشهادات وعقلاء هذه الأمة..
وأفضل قسم الله للمرء عقله
فليس من الخيرات شيء يقاربه
يعيش الفتى بالعقل في الناس أنه
على العقل يجري علمه وتجاربه
يشين الفتى في الناس قلة عقله
وأن كرمت أعراقه ومناسبه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
وتكون هذه البدعة.. أقل وطأة.. إذا أتت من جاهل.. ليس له دراية بالعلم أو الدين.. وإنما يتشدق ببعض الكلمات.. قد لا يعرف في الكثير من الأحيان معناها.. أو ما مغزاها.. ولكن المصيبة العظمى.. والطامة الكبرى.. إذا أتت من مربين للنشء.. أو قادة الفكر.. أو مثقفي المجتمع.. فهذه هي قاصمة الظهر..
يطيـب العيـش أن تلقـى حكيمـاً
غــذاه العلـم والفـهم المصيـب
فيكشـف عنـك حيـرة كل جهـل
وفضـل العلـم يعرفــه اللبيـب
سقـام الحـرص ليـس لـه شفـاء
وداء الجهـل ليـس لـه طبيـب
وإذا استحكمت البدعة في نفوس الناس.. وأصبحت عرفاً أو معتقداً.. يشار إليها بالبنان.. وتصبح من ضمن المدعوين لكل مناسبة تقام.. ففي تلك اللحظة.. تصبح الأمة على مشارف الهاوية.. إذا لم ينقذها منقذ.. أو ينتشلها منتشل.. فقد تنهار فيها كثير من القيم والأخلاق.. وقد تتميع كثير من المعتقدات والمبادئ.. وتتصدع كثير من الركائز والثوابت.. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك البدع التي تخالف هديه عليه أفضل الصلاة والسلام.. والولوغ فيها.. حيث قال: << من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد >> (صحيح مسلم [1718ـ18] ج3 ص1343)..
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
يسائل من يدري فكيف إذن تدري
جهلت لم تعلم بأنك جاهل
فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
إذا كنت من كل الأمور على عمى
فكن هكذا أرضاً يطاك الذي يدري
ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري
وأنك لا تدري بأنك لا تدري
فإذا تمكنت البدعة في المجتمع.. وأصبحت معتقداً لا مناص منها.. ويجب الإيمان بها.. ولا مهرب ولا ملجأ إلا إليها.. ويعد الحيود عنها.. هو الضلال المبين.. والإثم العظيم.. تعتبر في تلك الحالة.. قد وصلت إلى مرحلة متقدمة.. من الصعوبة بمكان التخلص منها.. أو مكافحتها.. أو التقليل من شأنها.. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحداث في الدين ما ليس فيه.. حيث قال: << من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد >> (صحيح مسلم [1718ـ17] ج3 ص1343) .. أي فهو مردود عليه.. وسيتحمل جناية عمله هذا.. ذلك لأن هذا الدين.. أنزله الله متكاملاً.. مترابطاً.. فلم يبق لأحد أن يعدل شيئاً فيه.. أو يحذف شيئاً منه.. أو أن يزيد شيئاً عليه.. أو يبدل شيئاً منه.. بل على كل أحد.. أن يتلقى هذا الدين.. من مصادره الأساسية.. وهي كتاب الله.. وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه.. وإجماع الأمة والسلف الصالح رضوان الله عليهم.. الذين مضوا على هدي كتاب الله.. وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. فيجب عليه أن يقتدي بهم.. ويسلك طريقهم.. وينتهج نهجهم.. ويقتفي أثرهم.. ولا يطلب عنهم بديلاً.. ولا يستقطب منهجاً مخالفاً لمنهجهم.. أو أفكار تناقض أفكارهم.. لأنه يعد ذلك من البدع.. والتي تستوجب العقاب من الله سبحانه وتعالى.. إن لم يتب من غيه.. ويرجع إلى رشده.. ويتقي ربه.. في باقي عمره..
حتى متى لا نرى عدلاً نسرُّ به
ولا نرى لولاة الحقِّ أعوانا
مستمسكين بحقِّ قائمين به
إذا تلوَّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له
وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
مراحل البدعة من وجهة نظري كالتالي :
مرحلة طور الإنشاء أو الظهور:
ففي بداية طور البدعة.. تجد نفوراً من كثير من الناس.. وسائر طبقات المجتمع.. وعدم تقبلها كعضو جديد في المجتمع.. وتعتبر كجسم غريب حل بالمجتمع.. وليس لها مكان فيه.. وتكافح كمكافحة الجسم للجراثيم والفيروسات التي تغزوه.. مع معارضة كبيرة من المثقفين وأهل العلم والدين.. مع ميلان فئة قليلة جداً إلى تلك البدعة.. كنوع من التغيير.. أو قطع الروتين الممل ليس إلا.. أو من محبي الظهور والاشتهار بين الناس..
شر العصور زمان يستمد به
خب لئيم غدا في الشر كالثمل
لا يعلم الرشد من غي وليس له
سوى الشرارة في قول وفي عمل
بعد مرور فترة على ظهور هذه البدعة (فترة إثبات الذات ) :
إذا لم تجد هذه البدعة.. سداً يحجزها.. أو حاجزاً يمنعها.. أو عائقاً يعيقها.. ويوقف تقدمها.. ويعترض طريقها.. ويعرقل زحفها وسريانها في المجتمع.. فإنه بعد مرور فترة من الزمن.. سوف تنتشر في المجتمع.. بين الجهلة وعامة الناس.. كانتشار النار في الهشيم.. وعلى إنها عرف لا بد منه.. أو أمور أصطلح عليها الأهل.. وينبغي عدم الحيدة عنها.. لأنها تعتبر نوع من أنواع التعبد.. يكفر من أنكره.. مع تحفظ المثقفين.. واستنكار أهل العلم والدين.. فتجد مرتعاً خصباً بين الجهلة وعامة الناس.. وأرضاً بوراً بين أهل العلم والدين..
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
وأجسادهم دون القبور قبور
وإن امرأ يحيى بالعلم قلبه
فليس له حتى النشور نشور
الطور ما قبل النهائي :
وهي المرحلة التي تفرض فيها البدعة نفسها في المجتمع.. وتصبح عضوه من أعضاء النادي الدائم.. وهي تعتبر مرحلة ما قبل الطور النهائي.. وفي هذه المرحلة.. تصبح البدعة عقيدة لا مساس فيها عند الجهلة وعامة الناس.. أما بعض المثقفين.. فإنها عرف تعارف عليه الناس أو جزء من العادات والتقاليد.. مع مجابهة وتصدي أهل العلم والدين والدعاة لتلك البدعة..
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
الطور النهائي :
وهي المرحلة التي تتغلغل فيها البدعة في المجتمع.. وتصبح كمجرى الدم في الجسم.. أو تصبح كالقلب في الجسد.. أو كالهواء للإنسان.. أو كالماء للحياة.. فتغوص في المجتمع حتى النخاع.. وتصبح عقيدة لا مفر منها.. ولابد من إتيانها.. وإن لم تفعل ذلك.. فقد أشركت بالقيم والتقاليد.. وأصبحت من المنبوذين في المجتمع.. وينظر إليك المجتمع نظرة ازدراء واحتقار.. وتتهم بالزندقة.. وإنك صاحب آراء فاسدة.. وصاحب بدع وضلالات.. وتارة أخرى بالجنون.. وإنك ألحدت بالعرف والمعتقد والتقاليد.. ولابد من التوبة والرضوخ إلى الأمر والواقع.. مع مجابهة قلة قليلة من أهل الدين والدعاة.. أما البقية الباقية فإنهم يتحفظون على تلك المسألة.. أو يشاركون في تلك البدعة.. بسبب توغلها في المجتمع.. وخوفاً من الكلام؟!! وخشية من الهمز واللمز؟!!..
متى تصل العطاش إلى ارتواء
إذا استقت البحار من الزكايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد
وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفُّع الوضعاء يوماً
على الرَّفعاء من إحدى الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي
فقد طابت منادمة المنايا
هذه هي مراحل البدعة.. من بداية ظهورها على الساحة.. وحتى مرحلة التغلغل في المجتمع.. وسريانها فيه.. وهذه الأمور المحدثة.. التي لا تمت بصلة.. إلى تعاليم الدين الحنيف.. يجب على المسلم.. أن يتخلص منها.. وأن لا يقبل شيئاً منها في أمور حياته.. وأن يتقي الله في سريرته وعلانيته.. وأن يزن أموره كلها بموازين القسط.. التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في كتابه.. وحدد معالمها وبينها أيما تبيين.. عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .. في سنته الغراء الطاهرة النقية.. بعد أن ترك هذه الأمة.. على المحجة البيضاء.. ليلها كنهارها.. لا يضل عنها إلا غوي..
عمدة الدين عندنا كلمات
أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما
ليس يعنيك واعملن بنيه
من كان يرغب في النجاة فما له
غير إتباع المصطفى فيما أتى
ذاك سبيل المستقيم وغيره
سبل الغواية والضلالة والردى
والبدعة.. وكما هو معلوم.. هي أمر غير مألوف في العادة.. يحدث في المجتمع.. ويكون المتسبب فيه.. شخص أو مجموعة من الأشخاص.. فيسمى على إثر هذا بالبدعة.. سواء كان الأمر حسناً أو سيئاً.. فجميع الأمور المحدثات.. سواء كانت في العبادات أو في المعاملات.. أو في غير ذلك من الأمور التي لا تمت بالدين.. تسمى بدعة..
لم يفتإ الناس حتى أحدثوا بدعاً
في الدين بالرأي لم يبعث بها الرسل
حتى استخف بحق الله أكثرهم
وفي الذي حملوا من حقه شغلوا
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: << من سن في الإسلام سنة حسنة.. فله أجرها وأجر من عمل بها بعده.. من غير أن ينقص من أجورهم شيء.. ومن سن في الإسلام سنة سيئة.. كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده.. من غير أن ينقص من أوزارهم شيء >> (صحيح مسلم [1017] ج2 ص704)..
فهذا الحديث الشريف.. يدل دلالة واضحة جلية.. على أن ما يأتيه الناس.. من أقوال وأفعال.. بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ليس كله من البدع السيئة.. كما يزعم بعض الناس.. بل منه ما هو حسن يؤجر قائله وفاعله عليه.. ومنه ما هو سيئ يأثم قائله وفاعله..
يا مدعي حب طه لا تخالفه
الخلف يحرم في دنيا المحبينا
أراك تأخذ شيئاً من شريعته
وتترك البعض تدويناً وتهويناً
خذها جميعاً تجد خيراً تفوز به
أو فاطرحها وخذ رجس الشياطينا
وخلاصة الأمر..أن المحدثات من الأمور ضربان :
أحدهما :
ما أحدث مما خالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً ثابتاً.. فهذه البدعة.. هي الضلالة التي يحكم بإثم قائلها أو فاعلها.. وعليها يحمل حديث : << وكل بدعة ضلالة >> (مسلم [867]) ..
والثاني :
ما أحدث من الخير.. وهذا غير مذموم.. بل محمود.. يؤجر قائله أو فاعله.. وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : << من سن في الإسلام سنة حسنة>> (مسلم[1017])..
إن المشكلة الحقيقية التي تواجه المجتمع أو الأمة الإسلامية.. إذا كانت هذه البدعة.. تخالف الدين والمعتقد.. وتسري في المجتمع سريان الدم في جسم الإنسان.. دون أن يتصدى لها أو يعترض سبيلها.. أصحاب العلم أو رجالات الفكر.. وحملة الشهادات وعقلاء هذه الأمة..
وأفضل قسم الله للمرء عقله
فليس من الخيرات شيء يقاربه
يعيش الفتى بالعقل في الناس أنه
على العقل يجري علمه وتجاربه
يشين الفتى في الناس قلة عقله
وأن كرمت أعراقه ومناسبه
إذا أكمل الرحمن للمرء عقله
فقد كملت أخلاقه ومآربه
وتكون هذه البدعة.. أقل وطأة.. إذا أتت من جاهل.. ليس له دراية بالعلم أو الدين.. وإنما يتشدق ببعض الكلمات.. قد لا يعرف في الكثير من الأحيان معناها.. أو ما مغزاها.. ولكن المصيبة العظمى.. والطامة الكبرى.. إذا أتت من مربين للنشء.. أو قادة الفكر.. أو مثقفي المجتمع.. فهذه هي قاصمة الظهر..
يطيـب العيـش أن تلقـى حكيمـاً
غــذاه العلـم والفـهم المصيـب
فيكشـف عنـك حيـرة كل جهـل
وفضـل العلـم يعرفــه اللبيـب
سقـام الحـرص ليـس لـه شفـاء
وداء الجهـل ليـس لـه طبيـب
وإذا استحكمت البدعة في نفوس الناس.. وأصبحت عرفاً أو معتقداً.. يشار إليها بالبنان.. وتصبح من ضمن المدعوين لكل مناسبة تقام.. ففي تلك اللحظة.. تصبح الأمة على مشارف الهاوية.. إذا لم ينقذها منقذ.. أو ينتشلها منتشل.. فقد تنهار فيها كثير من القيم والأخلاق.. وقد تتميع كثير من المعتقدات والمبادئ.. وتتصدع كثير من الركائز والثوابت.. وقد حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من تلك البدع التي تخالف هديه عليه أفضل الصلاة والسلام.. والولوغ فيها.. حيث قال: << من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد >> (صحيح مسلم [1718ـ18] ج3 ص1343)..
إذا كنت لا تدري ولم تك بالذي
يسائل من يدري فكيف إذن تدري
جهلت لم تعلم بأنك جاهل
فمن لي بأن تدري بأنك لا تدري
إذا كنت من كل الأمور على عمى
فكن هكذا أرضاً يطاك الذي يدري
ومن أعجب الأشياء أنك لا تدري
وأنك لا تدري بأنك لا تدري
فإذا تمكنت البدعة في المجتمع.. وأصبحت معتقداً لا مناص منها.. ويجب الإيمان بها.. ولا مهرب ولا ملجأ إلا إليها.. ويعد الحيود عنها.. هو الضلال المبين.. والإثم العظيم.. تعتبر في تلك الحالة.. قد وصلت إلى مرحلة متقدمة.. من الصعوبة بمكان التخلص منها.. أو مكافحتها.. أو التقليل من شأنها.. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الإحداث في الدين ما ليس فيه.. حيث قال: << من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد >> (صحيح مسلم [1718ـ17] ج3 ص1343) .. أي فهو مردود عليه.. وسيتحمل جناية عمله هذا.. ذلك لأن هذا الدين.. أنزله الله متكاملاً.. مترابطاً.. فلم يبق لأحد أن يعدل شيئاً فيه.. أو يحذف شيئاً منه.. أو أن يزيد شيئاً عليه.. أو يبدل شيئاً منه.. بل على كل أحد.. أن يتلقى هذا الدين.. من مصادره الأساسية.. وهي كتاب الله.. وسنة نبيه صلوات الله وسلامه عليه.. وإجماع الأمة والسلف الصالح رضوان الله عليهم.. الذين مضوا على هدي كتاب الله.. وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. فيجب عليه أن يقتدي بهم.. ويسلك طريقهم.. وينتهج نهجهم.. ويقتفي أثرهم.. ولا يطلب عنهم بديلاً.. ولا يستقطب منهجاً مخالفاً لمنهجهم.. أو أفكار تناقض أفكارهم.. لأنه يعد ذلك من البدع.. والتي تستوجب العقاب من الله سبحانه وتعالى.. إن لم يتب من غيه.. ويرجع إلى رشده.. ويتقي ربه.. في باقي عمره..
حتى متى لا نرى عدلاً نسرُّ به
ولا نرى لولاة الحقِّ أعوانا
مستمسكين بحقِّ قائمين به
إذا تلوَّن أهل الجور ألوانا
يا للرجال لداء لا دواء له
وقائد ذي عمى يقتاد عميانا
مراحل البدعة من وجهة نظري كالتالي :
مرحلة طور الإنشاء أو الظهور:
ففي بداية طور البدعة.. تجد نفوراً من كثير من الناس.. وسائر طبقات المجتمع.. وعدم تقبلها كعضو جديد في المجتمع.. وتعتبر كجسم غريب حل بالمجتمع.. وليس لها مكان فيه.. وتكافح كمكافحة الجسم للجراثيم والفيروسات التي تغزوه.. مع معارضة كبيرة من المثقفين وأهل العلم والدين.. مع ميلان فئة قليلة جداً إلى تلك البدعة.. كنوع من التغيير.. أو قطع الروتين الممل ليس إلا.. أو من محبي الظهور والاشتهار بين الناس..
شر العصور زمان يستمد به
خب لئيم غدا في الشر كالثمل
لا يعلم الرشد من غي وليس له
سوى الشرارة في قول وفي عمل
بعد مرور فترة على ظهور هذه البدعة (فترة إثبات الذات ) :
إذا لم تجد هذه البدعة.. سداً يحجزها.. أو حاجزاً يمنعها.. أو عائقاً يعيقها.. ويوقف تقدمها.. ويعترض طريقها.. ويعرقل زحفها وسريانها في المجتمع.. فإنه بعد مرور فترة من الزمن.. سوف تنتشر في المجتمع.. بين الجهلة وعامة الناس.. كانتشار النار في الهشيم.. وعلى إنها عرف لا بد منه.. أو أمور أصطلح عليها الأهل.. وينبغي عدم الحيدة عنها.. لأنها تعتبر نوع من أنواع التعبد.. يكفر من أنكره.. مع تحفظ المثقفين.. واستنكار أهل العلم والدين.. فتجد مرتعاً خصباً بين الجهلة وعامة الناس.. وأرضاً بوراً بين أهل العلم والدين..
وفي الجهل قبل الموت موت لأهله
وأجسادهم دون القبور قبور
وإن امرأ يحيى بالعلم قلبه
فليس له حتى النشور نشور
الطور ما قبل النهائي :
وهي المرحلة التي تفرض فيها البدعة نفسها في المجتمع.. وتصبح عضوه من أعضاء النادي الدائم.. وهي تعتبر مرحلة ما قبل الطور النهائي.. وفي هذه المرحلة.. تصبح البدعة عقيدة لا مساس فيها عند الجهلة وعامة الناس.. أما بعض المثقفين.. فإنها عرف تعارف عليه الناس أو جزء من العادات والتقاليد.. مع مجابهة وتصدي أهل العلم والدين والدعاة لتلك البدعة..
وقدر كل امرئ ما كان يحسنه
والجاهلون لأهل العلم أعداء
ما الفضل إلا لأهل العلم إنهم
على الهدى لمن استهدى أدلاء
الطور النهائي :
وهي المرحلة التي تتغلغل فيها البدعة في المجتمع.. وتصبح كمجرى الدم في الجسم.. أو تصبح كالقلب في الجسد.. أو كالهواء للإنسان.. أو كالماء للحياة.. فتغوص في المجتمع حتى النخاع.. وتصبح عقيدة لا مفر منها.. ولابد من إتيانها.. وإن لم تفعل ذلك.. فقد أشركت بالقيم والتقاليد.. وأصبحت من المنبوذين في المجتمع.. وينظر إليك المجتمع نظرة ازدراء واحتقار.. وتتهم بالزندقة.. وإنك صاحب آراء فاسدة.. وصاحب بدع وضلالات.. وتارة أخرى بالجنون.. وإنك ألحدت بالعرف والمعتقد والتقاليد.. ولابد من التوبة والرضوخ إلى الأمر والواقع.. مع مجابهة قلة قليلة من أهل الدين والدعاة.. أما البقية الباقية فإنهم يتحفظون على تلك المسألة.. أو يشاركون في تلك البدعة.. بسبب توغلها في المجتمع.. وخوفاً من الكلام؟!! وخشية من الهمز واللمز؟!!..
متى تصل العطاش إلى ارتواء
إذا استقت البحار من الزكايا
ومن يثني الأصاغر عن مراد
وقد جلس الأكابر في الزوايا
وإن ترفُّع الوضعاء يوماً
على الرَّفعاء من إحدى الرزايا
إذا استوت الأسافل والأعالي
فقد طابت منادمة المنايا
هذه هي مراحل البدعة.. من بداية ظهورها على الساحة.. وحتى مرحلة التغلغل في المجتمع.. وسريانها فيه.. وهذه الأمور المحدثة.. التي لا تمت بصلة.. إلى تعاليم الدين الحنيف.. يجب على المسلم.. أن يتخلص منها.. وأن لا يقبل شيئاً منها في أمور حياته.. وأن يتقي الله في سريرته وعلانيته.. وأن يزن أموره كلها بموازين القسط.. التي أنزلها الله سبحانه وتعالى في كتابه.. وحدد معالمها وبينها أيما تبيين.. عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم .. في سنته الغراء الطاهرة النقية.. بعد أن ترك هذه الأمة.. على المحجة البيضاء.. ليلها كنهارها.. لا يضل عنها إلا غوي..
عمدة الدين عندنا كلمات
أربع من كلام خير البرية
اتق الشبهات وازهد ودع ما
ليس يعنيك واعملن بنيه
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق